كان طائر واقفا على غصن شجرة قرب بحيرة, و في الجانب الآخر من البحيرة طفلان, يرميان فتات خبز في الماء, فينتج عن الفتات, أمواج دائرية, تبدأ بقطر صغير ثم يكبر قطر الموجة كلما إبتعدت المسافة عن موقع سقوط الخبز. فترة قصيرة من الزمن و تأتي سمكات لأكل الخبز.
الطائر يراقب.
الطفلان يغادران.
الطائر في مكانه.
بعد أن غابا, طار إلى موقعهما تماما, إلتقط بمنقاره بعض فتات خبز مما تركا على الأرض, إستقام أمام البحيرة, في نفس مكان الطفل, و رمى الخبز.
من قطر دائرة الموجة الأولى, نعلم أنه رمى الفتات بنفس قوة رمي الطفل. فقد أحدثت رميته نفس الحدث من أقطار الأمواج إلى سرعة تنقلها.
لحظات و تأتي سمكات تحوم حول الخبز الذي رماه الطائر.
إنقض الطائر على إحداها و أمسك بها ثم طار.
فالطائر راقب و تعلم وآستنتج و نفذ !!!
راقب الأطفال. تعلم و قاس معطيات الرمي. إستنتج أنه مع الخبز ستأتي الأسماك. قام بالمحاولة. نجحت المحاولة.
سؤال : لماذا لا يبني هذا الطائرحضارة؟ له ما يلزم من المقومات لذلك. ملكة على التعلم و الإستنتاج و الإستنباط مكملة بقدرة على التنفيذ. ما الأمر الناقص في كل هذه المنظومة الذي يعوق فصيلة هذا الطير عن بناء حضارة.
بان لي الجواب بعد سنوات: الأمر الناقص هو تمرير المعلومة للأجيال.
فهذا الطائر بمقدوره إمتلاك المعرفة و التجربة, إلا أنه لا يمرر معرفته إلى الأجيال التي تليه من بني جنسه كي تصبح مكسبا معرفيا يتراكم مع غيره من المكاسب فتمكن من بناء حضارة.
ما علاقة هذا الطائر بكم أساتذتي الأفاظل؟
أنتم الذين تمررون المعرفة من جيل إلى جيل. أنتم أداة التماسك بين الأجيال. بكم و عبركم يكتمل البناء المعرفي الذي تقام عليه الحضارات.
لا تسمحوا لأحد أن ينقص من دوركم و ان لم تكونوا في مستوى المسؤولية لا تقدموا على هذا العمل فالأفضل التنحي جانبا لأصحاب العمل المناسب.