اليكم هذه المقالة عن التطور الطبيعي للحب .. بقلم كريم الشاذلي , وهو متخصص في مجال العلاقات الأسرية وتطوير الشخصية .
خدعونا فقالوا أن الأزواج والزوجات يجب أن تظل عاطفتهم ملتهبة أبد الدهر !.
وإلا فإن غير ذلك عاطفة ميتة، وزواج ليس فيه روح !.
ولقد كنت أنا واحدا من هؤلاء، و ظل يطارد ذهني فترة صباي سؤال مهم .
هؤلاء
العشاق الذين أراهم في الأفلام، وقد فازوا بمن أحبوا بعد صراع دام مع
الأشرار السيئين، هل سيظلوا على أناقتهم، ورومانسيتهم، وعاطفتهم الملتهبة
أبد الدهر ؟.
سؤال آخر لازمني فترة مراهقتي، لماذا ارتبط الشعر الغزلي
بفترة ما قبل الزواج، ولماذا لم يخبرنا عنترة عن حقيقة مشاعره بعد زواجة
من عبلة، وهل كان قيس سيلهب قلوبنا لو كانت ليلى زوجته على سنة الله
ورسوله !؟.
وفوق هذا، عشت زمنا ليس بالقليل وأنا أظن بأن الوردة
الحمراء التي ساهديها لحبيبتي فترة الخطوة لن تذبل أبدا، وستتكفل مشاعرنا
الملتهبة بحفظها نضرة مزدهرة على الدوام !.
ويؤسفني القول بأني كنت مخطئا حين ذاك ..!
واهم أنا عندما ظننت بأن الحب الخالد هو الذي يظل مشتعلا ويثبت مؤشر الحرارة فيه عن الدرجة 100% !.
إن
المرء منا لا يستطيع أن ينسى أبدا تلك اللحظات الجميلة التي يضطرب فيها
حينما يرى حبيبه قادما وقد صنع من أشعة الشمس تاجا، جعلته أبعد ما يكون عن
بني البشر، وأجلسته على قمة الفؤاد ملكا متوجا، نحلم به في صحونا ومنامنا .
كان هذا قبل أن أكتشف الحقيقة الهامة وهي أننا يجب أن نفرق بين نشوة الوقوع في الحب، وبين الحب ذاته !.
إن اللحظة الأولى لا بد وأن تنتهي، لتأتي لحظات أخرى بمفهوم مختلف، ووعي وإدراك مختلفين .
الحب لا يمكن حصره في النظرات المضطربة، ومن الغباء التمسك بأنه ارتعاشة اليد وحمرة الخد، واضطراب داخلي، وتسارع في دقات القلب .
إننا
رغم عشقنا لبراءة الأطفال إلا أننا نتفهم حكمة القدر في أن الطفولة
ببرائتها وجمالها وروعتها ليست أكثر من مرحلة، تتبعها أطوار أخرى، قد تكون
أروع من طور الطفولة ذاته لكن بشكل مختلف يتناسب مع المرحلة التي يعيشها
الشخص .
وكذلك الحب، في بدايته يكون ساحرا جميلا مدهشا، لكنه يتطور،
ومحاولة منعه من التطور الفطري هي محاولة لمعاندة القدر .. والأيام لم
تخبرنا بعد بنبأ شخص نجح في معاندة القدر .
إن الخطر هنا أننا كثيرا ما نخطئ في قياس مؤشر الحب، ونظن جهلا أنه انتهى لمجرد غياب ما نظنه "الحب" ! .
لقد
شاهدت كثير ممن أقسموا بأنه لا تربطهم بشركائهم أي مشاعر للحب والمودة،
حتى إذا ما تعرض شريكهم لسوء أو غيبته أحد صروف الحياة عن شريكة المدعي
رأيناه يولول مذهولا غير مصدق لغياب حبيبه، متفاجأ بأنه يحمل له حبا غير
قليل .
وأتسائل هل كان كاذبا في ادعائه أم مكابرا .. فأصل بعد كثير تأمل إلى أنه كان جاهلا!.
نعم كان يجهل أن ما يجمعهما هو الحب، لكنه كان لا يراه لأنه كان يطلبه في صورة أخرى.
لم يدرك أن نظرته إلى ساعة الحائط عندما يتأخر شريكة وقد اعتراه القلق هو حب .
وبأن وضع حاجياته في المكان المخصص له، كي يسهل عليه إيجادها هو حب .
وتلمس مكان رأسه على الوسادة عند سفره شكل من أشكال الحب .
وصنع وجبة يفضلها، أو شراء جريدته المفضلة، أو تذكيره بموعد الطبيب هو حب .
نعم قد تذبل الوردة الحمراء وتتساقط أوراقها في إعياء، لكن الحب لا تحتويه وردة حمراء، الحب الحقيقي هو سلوك لا يضاد حركة الحياة .
هو
الحب الناضج الذي يستمر بهدوء، ويتفاعل مع حركتنا الحياتية، ويدخل في
تفاصيل حياتنا بانسيابية وتلقائية، فلا تحزن يا صديقي إن غابت عنك ارتعاشة
الأولى، وراقب تطور الحب الطبيعي !.[/size]