من المعلوم أن الاجتماع الإنساني، أي اجتماع، يموج بالحركة الدائبة التي لا تنقطع، ويخوض الإنسان في غضونها أنواع الصراعات، وأشكال التفكير، ويمارس ضروباً من التجارب، ويعيش التقلبات والتحولات، في حالة من المسير والإرساء دائمة، حتى كأنه يجد سكونه في حركته واستقراره في اضطرابه، مما ينجم عنه سقوط كتل كثيفة من «الغبار الاجتماعي» (الرين) على قلبه ونفسه.
كما أنّه من الطبيعي أن الإنسان، نشطاً كان أم خاملاً، عبقرياً كان أم بسيطاً، يؤثر ويتأثر في احتكاكه بالمحيط الاجتماعي الذي هو عبارة عن مجموعة إرادات ومواقف وأنماط، وإنما الاختلاف، من فرد لآخر، هو في درجة التأثير والتأثر، فكلما هنالك أن النشطاء والعباقرة يؤثرون أكثر مما يتأثرون، والبسطاء يتأثرون أكثر مما يؤثرون..
وهكذا فكل إنسان يعيش الاجتماع يعوزه «مصقل يتقن كشف واقع الحوادث، وتحديد موقف الفرد منها، كي لا تنتهي بخسارة» كما عبر الإمام الشهيد السيد حسن الشيرازي (قدس سره) في مؤلفه القيم «حديث شهر رمضان» الذي نحن بصدد تعريفه بهذه العجالة السريعة. وفي الحق أن هذا المصقل يصقل الإنسان ويكسر عن نفسه وعقله كتل الغبار الاجتماعي المتراكمة عبر سنة من الحركة والتقلب في مختلف الأجواء والبيئات..
الأمر نفسه ينطبق تماماً على المجتمعات، فـ«المجتمع الذي يكون ـ وحدة ـ في المجموعة البشرية، المؤلفة من مجتمعات عديدة، يبقى عرضة دائمة لشتى الانحرافات، ونهزة لأقوى المجتمعات المتفاعلة في المجموعة البشرية، وكتلة يترسب عليها الغبار العالمي». (حديث شهر رمضان، ص25)يقول السيد المؤلف (قدس سره) عن فضيلة من فضائل شهر الله عز وجل (شهر رمضان): «ورمضان ـ بعد ذلك ـ شهر التطوّر، فالإنسان ـ بطبيعته ـ يملُّ الاستمرار على عمل معين، والخلود إلى حالة واحدة، وبرامج رتيبة للعيش والحياة... كما يمل العكوف على لون خاص من الطعام، والدؤوب في وظيفة معينة... وإنّما يريد ـ بغريزة حب التطوّر ـ أنْ تتطور معيشته، ولا يحدب على منهاج واحد طوال السنين... فعند ذلك يأتي شهر رمضان، ليجدد معيشة الإنسان وحياته،
في نمط آخر من السلوك، يختلف كل الاختلاف عن سابقه...». (حديث شهر رمضان، ص65).
والكتاب القيّم الذي نحن بين يديه، والموسوم بـ(حديث رمضان) لمؤلفه الإمام الشهيد السيد حسن الشيرازي (قدس سره) قد استقى من بحر فضائل الشهر الفضيل شهر الصيام، من المعاني والقيم ما يجعل مطالعه يلقي له بأزمة نفسه ويرد معه في موارد عذبة من فرائد المعاني ما يجعله منبسط النفس ومتفتح الذهن للارتفاع درجات ودرجات إلى مستوى قدسية الشهر، وعلى جمام من أمره لكسب المزيد من المعنويات والفضائل.
غاية القول في هذا الكتاب، أن قارئه لا يجد من الأمر ندحة حتى يتغير ويتأثر عن وعي وإدراك لعظمة شهر رمضان المبارك، نظراً للأسلوب المتميز الذي يتصف به السيد المؤلف (قدس سره) في جل مؤلفاته.