[center]
* لماذا نضحك؟
يقول الفلاسفة القدامى عن الضحك:
أرسطو (Aristotle): "نحن نضحك على من هم أقل مننا وعلى القبحاء من الأشخاص، والفرح يأتينا من الشعور بأننا طبقة أعلى من منهم".
سقراط (Socrates) : "السخرية تنبع من تجاهل الذات".
هيجل (Hegel): "ينشأ الضحك نتيجة لوجود التناقض بين المفهوم والمعنى الحقيقي الدفين الذي يقدمه هذا المفهوم". وهو يشير إلى المفهوم بـ"المظهر" الشيء الظاهر لنا وبالضحك يُنكر وجوده كلية.
فرويد (Freud): "الضحك ظاهرة، وظيفتها إطلاق الطاقة النفسية التي تم تعبئتها بشكل خاطىء أو بتوقعات كاذبة".
الفيلسوف جون موريال (John Morreall): "الضحك الإنساني له أصوله البيولوجية كنوع من أنواع التعبير عند المرور بخطر ما".
بيتر مارتينسون(Peter Marteinson) : "الضحك هو الاستجابة للإدراك الذي يقر بأن الكينونة الاجتماعية ليست شيئاً حقيقياً".
* تعريف الضحك:
الضحك هو شكل من أشكال التعبير الذي يظهر خارجياً على الإنسان فى صورة مرح وفرح. وتتعدد أسباب الضحك، الذي يوصف أيضاً بأنه رد فعل فسيولوجي نتيجة للمرور بخبرة ما مثل سماع نكتة أو عند سماع مداعبة ... وغيرها من الأسباب الأخرى.
وقد يحفز استنشاق الإنسان لبعض المواد الكيميائية مثل الأكسيد النترى (Nitrous oxide) ويُطلق عليه أيضاًًً "الغاز المضحك" على إطلاق نوبات من الضحك الهستيري، آو للاعتماد على بعض العقاقير مثل الحشيش (Cannabis). وقد تتسبب نوبات الضحك القوية فى إفراز العين للدموع وبعض الآلام البسيطة فى العضلات كاستجابة لهذه الحالة الشعورية القوية.
متى يشعر الإنسان بالرغبة فى الضحك؟ يشعر الإنسان بالرغبة فى الضحك عندما يسمع نكتة ما، عندما يتعرض لموقف هزلياً يحدث أمامه أو يقع فيه .. أو يضحك عندما يداعبه شخص بالملامسة الجسدية (Tickling) أو بإحداث ألم بسيط على منطقة فى جسم الإنسان، مثال: الضغط على عصب الزند (عظم الزند أو العظمة المرحة) Ulnar nerve.
وقد يكون الضحك نتيجة لوجود شخصية سادية تهوى التحكم وإيقاع الآخرين فى صدمات مؤلمة تحفزهم على الضحك العصبي.
فالضحك جزء من السلوك الإنساني الذي ينظمه المخ، وتساعد هذه العاطفة الشعورية الإيجابية من الدرجة الأولى الإنسان على أن يوضح نواياه فى إطار التفاعل الاجتماعي. كما يتبلور بالضحك إحدى جوانب الاتصال والمشاركة مع الآخرين، فهو العلامة التي تشير إلى تواجد الإنسان فى المجموعة الاجتماعية كما أنه إشارة إلى قبوله للتفاعل الإيجابي بينه وبين الآخرين.
قد يكون الضحك فى بعض الأحيان ظاهرة مُعدية، أي أن ضحك شخص قد يحفز على ضحك الآخرين من حوله.
دراسة الضحك والدعابة وتأثيرهما النفسي والفسيولوجي على جسد الإنسان يُسمى بعلم (Gelotology).
* اختلاف الضحك:
أظهرت بعض الدراسات أن الضحك يوجد فيه اختلاف حسب نوع الإنسان، أي أنه يختلف ما بين الذكور والإناث من حيث تقبل مثيراته أو اختلاف فى طريقة الضحك نفسها.
فالمرأة تُصدر أصوات للضحك فيها نغم وصوت حاد، أما الرجل فأصوات ضحكاته غليظة غي منتظمة.
وعندما نضحك على موقف أو شخص فهذا يعنى إنكاره (وهذا يتساوى فيه كلا من الرجل والمرأة)، ويعتبر هذا النوع من الضحك الإنكاري ما هو إلا وسيلة من وسائل تطهير العقل من جميع الخبرات والأفكار السلبية المحتمل وقوع النفس فيها.
ومثال للتوضيح: عندما يرى شخص شخصاً آخر يقع على الأرض ينفجر فى الضحك، لأنه يدرك حقيقة رفضه لوقوعه هو نفسه، وبانطلاق الضحك فهو يحاول أن يبعد الفكرة السلبية للوقوع على الأرض عن ذهنه وتفكيره.
* الضحك بين الحيوانات:
الضحك لا يقتصر على الجنس البشرى فقط، على الرغم من ملاحظة الفيلسوف "أرسطو" التي يقول فيها: "الذي يضحك فقط هو الحيوان البشرى".
وقد يكون الفارق بين ضحك الإنسان والحيوان مثل الشمبانزى، هي التكيفات التي توضع للإنسان من أجل أن يصدر الكلام. وعلى جانب آخر كان هناك رأى لبعض الأخصائيين النفسيين المختصين بالسلوك يرجعون خروج الضحك من الإنسان يعتمد على الإدراك الذاتي بموقف افرد أو بالقدرة على التنبؤ بسلوك شخص أخر، لذا فإن الحيوان لا يضحك بنفس الطريقة التي يضحك بها البشر.
توصلت بعض الأبحاث التي أُجريت عن الضحك بين الحيوانات، إلى وجود بعض الجزئيات التي تخفف من حدة الاكتئاب وبعض الاضطرابات المتصلة بالقصور فى وظائف المخ وتغير فى الحالات المزاجية.
أ- رتبة الثدييات التي تشمل القردة (غير الإنسان):
الثدييات بخلاف الإنسان من القردة مثل: الشمبانزى والغوريلا وإنسان الغاب (ضرب من القردة العليا الشبيهة بالإنسان فى بورنيو وسومطرة تصدر أصواتاً للضحك استجابة لبعض الملامسات الجسدية مثل المداعبة أو لعب فى شكل مطاردات أو مصارعة).
وقد لا يستطيع الإنسان معرفة ضحك الشمبانزى لأنه فى مجمله عبارة عن إخراج الأنفاس وإدخالها (الشهيق والزفير)، أي أن ضحكها شبيه بعملية التنفس أو اللهاث.
وهناك أمثلة عديدة توضح أن القردة تعبر عن مرحها مثل الإنسان، حيث تم إجراء دراسة على أطفال بشرية حديثة الولادة وعلى صغار الشمبانزى والذين تمت مداعبتهم جسدياً، وعلى الرغم من اختلاف نغمة الصوت التي كانت نبرتها أعلى عند صغار الشمبانزى إلا أنهما تشابها فى التعبيرات الوجهية. كما أن الطفل البشرى الصغير يستثار من نفس المناطق التي تحفز الشمبانزى على الضحك تحت الإبط ومنطقة البطن، والاستمتاع بالمداعبة الجسدية لا تقل عند الشمبانزى كلما تقدم به العمر.
ب- الفئران:
تم اكتشاف أن الفئران تصدر صوتاً أثناء فترات اللعب والمرح وفى حالة المداعبة الجسدية. ووُصف الصوت الذي تصدره بـ "السقسقة" وهو صوت ضعيف جداً لا يستطيع الإنسان سماعه إلا بأدوات خاصة. كما تم اكتشاف أن الفأر مثل الإنسان يستثار بالمداعبة الجسدية من خلال جلده فى مناطق معينة من جسده، وهذا الضحك مرتبط بوجود مشاعر وعواطف وروابط إيجابية بين الحيوان وبين الإنسان الذي يقوم بمداعبته مما يؤدى إلى بحث الفأر عن مزيد من هذه المداعبة.
ووُجد أن الاستجابة الإيجابية لمزيد من المداعبة تُرجمت فى شكل رغبة الفئران فى مزيد من المرح واللعب وفى قضاء وقت أطول مع الفئران الأخرى الضاحكة.
وعلى عكس الشمبانزى، فكلما تقدم العمر بالفئران كلما قلت حساسية الجلد عند المداعبة الجسدية. وقد قما كلا من (Jaak Panksepp & Jeff Burgdorf) بعمل بحث لتتبع المنشأ البيولوجى للفرح وللعمليات الاجتماعية فى المخ من خلال مقارنة الفئران بمجتمع الأطفال الصغار وممارستهم للمرح فى مناخ اللعب. وعلى الرغم من عدم مقدرة البحث على إثبات أن الفئران لديها روح المداعبة، إلا أنهما أشارا إلى قدرة الفئران على الضحك والتعبير عنه.
وفى دراسة أخرى، تم التوصل إلى أن الفئران تُصدر أصوات "السقسقة" قبل لعب المصارعة أو أخذ المورفين أو القيام بممارسة النشاط الجنسي ويُفسر هذا الصوت على أنه توقع لشيء إيجابي يتم مكافأتهم به.
ج- الكلاب:
ضحك الكلاب يشبه غىل حد كبير اللهاث الطبيعى، وبتحليل اللهاث بواسطة مسمة الطيف (Spectrograph) فقد وُجد أن طريقة التعبير عن اللهاث له درجات مختلفة مجموعها ينتج عنه ما يثسمى بضحك الكلب. وقد تم تسجيل الأصوات الضاحكة لبعض من الكلاب وبمجرد إعادة تشغليها لهم يبدأون فى اللعب والمح وتخفض من معدلات الضغوط لديهم، كما تدعم السلوك الاجتماعى لديهم من الاقتراب واللعق باللسان.
وقد قام كل من العلماء الثلاثة: سيمونت وفيرستيج وستورى (Simonet, Versteg & Storie)، بإجراء ملاحظة على حوالي (120) كلباً تتراوح أعمارهم ما بين (4) أشهر إلى (10) سنوات من خلال إجراء مقارنة ما بين فريقين الأول قام بسماع ما تم تسجيله من ضحك الكلاب والفريق الثانى لم يقم بسماع مثل هذا التسجيل. وفى هذا البحث تم قياس السلوك التالية للكلاب: اللهاث، التذمر، سيلان اللعاب، العدو، النباح، الجلوس خوفاً من شيء أو من البرد، الاندفاع، اللعب بالمخالب .. وقد أسفرت الملاحظة عن نتائج إيجابية عند سماعهم لما هو مسجل من الضحكات، ومن هذه النتائج الإيجابية:
- انخفاض ملحوظ فى السلوك المتصل بالضغوط.
- زيادة حركة الذيل فى الارتفاع والانخفاض.
- حركة الوجه (كأن الكلب فى حالة مرح) بمجرد سماع صوت الضحك.
- إظهار سلوك اجتماعي إيجابي بشكل متكرر.
ومن هنا توصل البحث إلى أن الضحك يزيد من هدوء الكلب، ويسهل حينها السيطرة عليهم وتلقى التدريبات.
* الضحك عند الإنسان:
حديثاً توصل باحثون أن الطفل الرضيع يبدأ فى الضحك بعد مرور (17) يوماً من ميلاده. وعلى الرغم من أن هذه الحقيقة قد تتعارض مع الدراسات السابقة التي تشير إلى أن الأطفال الرضع يبدأون فى اكتساب مهارات الضحك عند بلوغ أربعة أشهر من العمر.
ويشير العالم روبرت آر بروفين (Robert R. Provine) الحاصل على دكتوراه فى دراسة الضحك والتي استمرت لعقود إلى أن "الضحك يمتلكه كل واحد منا، فهو جزء من مجموع الكلام البشرى على مستوى العالم. يوجد الآلاف من اللغات ومئات الآلاف من اللهجات، لكن الكل يضحك بطريقة واحدة. فكل واحد بوسعه أن يضحك كما أن الطفل الرضيع لديه القدرة على الضحك قبل أن يبدأ فى تعلم الكلام، حتى الطفل الأصم أو الأعمى يحتفظ بقدرته على الضحك".
ويستمر "بروفين" فى حديثه عن الضحك قائلاً: "أن الضحك شيء بدائي كما أنه تعبير غير واعٍ، وإن كان هناك إناس يضحكون أكثر من غيرهم فهذا من المحتمل رجوعه إلى العوامل الجينية". ولإثبات ذلك قام "بروفين" بالإشارة إلى دراسة اسمها "توأم جيجل"، وهما توأم من الإناث تم فصلهما منذ الميلاد لمدة أربعين سنة وعند التقائهما كانت لديهما قدرة على الضحك كبيرة وبدرجة متساوية، على الرغم من أن الآباء بالتبني كانت لديهم طبيعة صارمة غير محبة للضحك، ومن هنا أكد "بروفين" أن التوأم ورثا نفس الصفات الجينية من الضحك، كما يرثا أيضاً الاستعداد للضحك وربما تذوق والبحث عن روح الدعابة.
* الضحك والمخ:
فسيولوجيا الأعصاب الحديثة تربط الضحك بتنشيط القشرة الأمامية الوسطى للدماغ (Ventro-medial prefrontal cortex)، التي تفرز مادة "الإندروفين" بعد نشاط يشعر فيه الإنسان بالمكافأة، بعد تناول وجبة لذيذة، ممارسة النشاط الجنسي، أو بعد فهم نكتة.
وقد أظهر بحثاً من البحوث أن أجزاء فى المخ لها دور كبير فى عملية الضحك، وهما: (Amygdala & Hippocampus).
وفى مقالة جريدة المؤسسة الطبية الأمريكية، نُشرت فى 7 ديسمبر عام 1984، والتي تصف الأسباب المؤدية للضحك التي مصدرها الجهاز العصبي، كالتالي: "على الرغم من أن مركز الضحك بالمخ غير معلوم أو محدد، إلا أنه يعتمد التعبير عنه على مسارات عصبية المتصلة بالدماغ المتوسط والخلفى تتواجد بالقرب من مراكز التنفس":
(Telencephalic and diencephalic).