إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه.
أمّا بعد: فاتّقوا الله عبادَ الله، واذكُروا أنّه خَلقَكم لعِبادَتِه، فاعبدوه مخلصين له الدّين، فالسّعيد من أخلَص دينَه لله وتابَع رَسولَ الله .
أيّها المسلمون، لقد كان من نِعَم الله العظيمة وآلائه الجميلة نعمةُ الأخوّة في الدين، تلك الأخوّة التي أخبر عنها سبحانه بقوله: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ. وجعلها رابطةً أساسُها العقيدةُ وعمادها الإيمان؛ إذِ الإيمان قوّة جاذبةٌ تبعث أهلها على التقارُب والتعاطُف والتوادّ، ولا تنافرَ بين قلوب اجتمعت على إيمانٍ بالله وعمرها حبٌّ شديد لله ولرسول الله . إنّه التآلف الذي أشار إليه عزّ اسمه بقوله: وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ، والذي صوّر رسول الله واقعَه في هذا المثلِ النبويّ المشرق، فقال: (( مثَلُ المؤمنين في توادِّهم وَتَراحُمِهم وتَعَاطُفِهم كمثَل الجسد؛ إذا اشتَكى منه عضوٌ تداعى له سائرُ الجَسَد بالسهر والحمَّى ))
عرفنا مؤخرا حالة صراع بين الدولتين الشقيقتين والمسلمتين الجزائر ومصر وبدأت الخلافات بينهم من مباريات كأس
إفريقيا للأمم 2004 ولكن لم تكن بينهم إلا بعض الصراعات الخفيفة وبعد 6 سنين تأزمة الأمور بينهم حتى وصلت إلى
خلافات جد خطيرة فبات المصري يمقت آخاه الجزائري والجزائري يحقد على المصري ووصل الأمر حتى إلى حالت
الضرب والشتم والكلام في التاريخ والشهداء بصورة سيئة حتى غلق بعض العلاقات التجارية بين الدولتين وهذا ما لم يكن
في الحسبان فبدل أن يتحدا ويتعاونا قاما بتباع خطوات الشيطان وإتباع ناشري الفتن وهذا ما يريده أعداء الإسلام التفرقة بينهما
فيا عبادَ الله، قال الله تعالى:( وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ) إنّ الله يبغِّض إلَينا التفرّقَ والاختلافَ لأنّه أوّلُ الوَهنِ وَبابُ الفَشَل والضَّياع، والفاشِلُ لاَ وَزنَ له في هَذِه الدنيا ولا مكانةَ له في الآخرة، بل إنّه سُبحانه يحذِّرنا من السّيرِ على نهجِ المتفرِّقين أوِ الاقتداءِ بهم لأنّه أعدَّ لهم أسوأَ العقابِ عندَه جَزاءَ تفرُّقِهِم، فقال سبحانه: ( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) فإذا مَضَينا في طَريق الفُرقةِ وأضَعنا أهدافَ الأمَّة وتقطَّعنا فِرَقًا وأَحزابًا وتمزَّقنا رُؤوسًا وأذنابًا فَإنّ أوَّل ما فَرضَه ربُّنا علينا هو براءَةُ رسول الله منَّا وانفِصالُه عنّا؛ لأنَّ الأمةَ التي دعا إليها وأرادَها لحملِ دعوتِه لا تعرِف الفرقةَ، إنما هِي أمّةٌ واحدة؛ ربُّها واحِد، وكتابها واحدٌ، وصفّها واحِد، كما قال تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ).
ألا وإنّ كلَّ سعيٍ لرأب الصّدع وجمع الشمل ووحدة الصفّ وإهالة التراب على بوادر الفتن هو عملٌ صالحٌ مبرور إن شاء الله تعالى، يستحقّ الدعاء والثناءَ. لإطفاء نار الفتنة بينهم وإعادة السلام إلى ربوعهم، فنسأل الرحمن الرحيم ربَّ العرش الكريم أن يباركَ في هذه المبادرة، وأن يتقبّل هذا العملَ، وأن يجعلَه سببًا لكلِّ خير لحقن دماء المسلمين وجمع كلمتهم ووحدة صفِّهم ودرء الأخطار عن ديارهم.
فاتقوا الله عباد الله، وصلّوا وسلِّموا على خاتم رسُل الله محمد بن عبد الله، فقد أمِرتم بذلك في كتاب الله حيث قال الله سبحانه:( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ).
أقولُ قولي هذا، وأستَغفِر الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب فاستغفِروه، إنّه هو الغفور الرحيمُ.