هل يدعو الله أن ينجح في الاختبار رغم تقصيره في الإجابة ؟
أنا لا أقوم بأداء الاختبارات بطريقة جيدة ، فهل يجوز لي أن أدعو الله للحصول على درجة النجاح ؟
الجواب :
الحمد لله
أولاً :
الأصل في المسلم أن يبذل الأسباب المؤدية للمطلوب ، مع ملازمة دعاء الله عز وجل بالتوفيق والسداد .
فإذا بذل العبد ما في وسعه من الأسباب ، ولو مع شيء من القصور والنقص ، فلا يمنعه ذلك من دعاء الله وسؤاله .
قال الحافظ ابن رجب : " إنَّ اللهَ يحبُّ أنْ يسأله العبادُ جميعَ مصالح دينهم ودنياهم ، مِنَ الطَّعام والشراب والكسوة وغير ذلك ، كما يسألونه الهداية والمغفرة ... وكان بعضُ السَّلف يسأل الله في صلاته كلَّ حوائجه حتّى ملحَ عجينه وعلفَ شاته ". انتهى " جامع العلوم والحكم" (1/225).
فالدعاء من العبادات المشروعة مطلقاً ، وفي جميع الأحوال ، وليس في النصوص الشرعية ما يمنع منه في حال دون حال .
ولذلك كان الأنبياء والصالحون يسألون الله جميع حوائجهم قبل بذل السبب ، ومعه ، وبعده ، ومن دونه أحياناً ، فالدعاء بحد ذاته سبب لوقوع المقدور كباقي الأسباب الأخرى .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " والصواب ما عليه الجمهور من أن الدعاء سبب لحصول الخير المطلوب ، أو غيره ، كسائر الأسباب المقدرة والمشروعة ". انتهى "اقتضاء الصراط المستقيم" (2 /229)
وقال : " الدعاء سبب يَقضي الله به ما عَلِمَ أنه سيكون بهذا السبب ، كما يقضي بسائر الأسباب ما علم أنه سيكون بها ". انتهى " مجموع الفتاوى" (14/366) .
وقال ابن القيم : " فالدعاء من أقوى الأسباب ، فإذا قُدِّر وقوع المدعو به بالدعاء لم يصح أن يقال لا فائدة في الدعاء ، كما لا يقال لا فائدة في الأكل والشرب وجميع الحركات والأعمال ، وليس شيء من الأسباب أنفع من الدعاء ، ولا أبلغ في حصول المطلوب ". انتهى من "الجواب الكافي" صـ 8.
وقال الآلوسي : " الدعاء حكمه حكم سائر الأسباب من الأكل والشرب والتحفظ من شدة الحر والبرد ، ففائدته كفائدتها ". انتهى "روح المعاني" (22 / 178) .
وفي الحديث : (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ : إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا) رواه أحمد (10749) وصححه الألباني .
والحاصل :
أنه يشرع لك دعاء الله بالحصول على درجة النجاح ، ولو لم تكتب الإجابات بشكل جيد كما تظن ، فكما أن التحضير الجيد سبب في النجاح ، فالدعاء سبب له أيضاً .
مع الحرص فيما يستقبل من الأمور على بذل السبب على أكمل وجه ومزجه بالدعاء والسؤال والتضرع .
كما قال ابن القيم : " أحزم الناس من أدلى بالأسباب التي نصبها الله تعالى مفضية إلى المطلوب ، وسأل سؤال من لم يُدْلِ بسببٍ أصلاً ، بل سؤال مُفلسٍ بائسٍ ليس له حيلة ولا وسيلة ". انتهى" بدائع الفوائد" (2/188).
ثانياً :
كون الدعاء سبباً من الأسباب لا يعني الاقتصار عليه لحصول المطلوب إذا كان الأمر يتطلب بذل أسباب أخرى ، فمن المعلوم أن السبب المعيَّن قد لا يستقل بحصول المطلوب وحده ، بل لا بد من مشاركة أسباب أخرى له .
لذلك فمن المذموم أن يترك العبد الأخذ بهذه الأسباب المشروعة مع قدرته عليها ، ويعتمد على الطلب والدعاء والابتهال فقط.
قال ابن القيم : " فيذم حيث كانت الأسباب مأموراً بها ، فتَرَكَها وأقبل على الدعاء ، كمن حصره العدو ، وأُمر بجهاده ، فترك جهاده وأقبل على الدعاء والتضرع أن يصرفه الله عنه ، وكمن جهده العطش ، وهو قادر على تناول الماء ، فتركه وأقبل يسأل الله تعالى أن يرويه ، وكمن أمكنه التداوي الشرعي فتركه وأقبل يسأل العافية ، ونظائر هذا ". انتهى "بدائع الفوائد" (2/188).
والحاصل : أن المشروع أن يأخذ البعد بالأسباب الموصلة لمطلوبه شرعا وقدرا ، ثم لا يركن إلى هذه الأسباب ، ولا يكتفي بها وحدها ، بل يلهج بالدعاء والافتقار إلى الله ، كأنه لم يأخذ بسبب قط .
والله أعلم .