دخلت شرفة مكتبي، فوجدت كتاباًملقي على الأرض..نظرت مستغرباً ومتسائلاً !!
من الذي وضعه هنا ؟! إنني
حريصة على ترتيب كتبي ..
فمن الذي رماه على الأرض
؟!
هل سقط هو بنفسه ؟! أم
أن شخصاً عبث بكتابي 1؟مددت يدي لأتناول الكتاب
فسقطت منها كلمة على الأرض مددت يدي مرة أخرىلتناول الكلمة .
فقالت : لا تمسكني !!
نظرت إليها مستغرباً ،
وإذا بها كلمة (الغفلة).
قلت : أكلمه تتكلم؟!
قالت : نعم..إذا كثرت
الغفلات نطقت الكلمات.
قلت : وما قصدك؟!
الغفلة : أعني أن هناك
ضربين للغفلة عامة وخاصة، فأما العامة فهي غفلة بعضالدعاةعن المعاني الإيمانية
فإنكم قليلو المراقبة قليلوا المجاهدة، قليلوالمحاسبة، قليلو التوبة.
قلت : نعم كلامك صحيح
فأنا قوي من الناحية الثقافية والحركية إلا أنني ضعيفمن الناحية الإيمانية،
وأعيش في غفلة روحانية.
فما السبب يا ((غفلة))؟؟الغفلة : السبب ، واضح
فمرافقة الغافلين هي السبب ، لأنهم يجملون لك قبيح ،ويزينون لكالسيئات ولهذا نهى الله
تعالى عن صحبتهم وطاعتهم بقوله تعالى : { ولا تطعمن أغفلنا قلبهعن ذكرنا واتبع هواه } أما
من جاور الكرام فقد آمن من الإعدام .
قلت : وكيف تتحقق (الغفلة
القلبية) ؟الغفلة: حين يتجه
الإنسان إلى ذاته، وإلى ماله، وإلى أبنائه، وإلى متاعهولذائذه وشهواته،فلم يجعل في قلبه متسعاً
لله . عند ذلك تتحقق الغفلة القلبية والتي نهىالله عن اتباع من كان قلبه غافلاً بقوله: { ولا تطع من
أغفلنا قلبه ..
} .
قلت: وهل تظنين أن
مرافقة أهل الغفلة له أثر ؟الغفلة: اعلم يا عبد
الله " أن الدخان وإن لم يحرق البيت سوّده " .
قلت: إنه لمثل جميل،
ولكن ما مظاهر الغفلة الإيمانية في القلب؟الغفلة: تجد الغافل لا
يفرح إذا ما اختلى بالله عز وجل.
وتجده لا يأنس، ولا يطرب
لذكر الله تعالى وقراءة كتابه.
تجده لا يشتاق للنظر إلى
وجه الله عز وجل. ولهذا قال الله تعالى: { واذكرربك في نفسكتضرعاً وخفية ودون الجهر
من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين } .
قلت متحمساً : نعم هذه
هي مشكلتي فإنني أحب أن أخالط الناس كثيراً، حتىإنني اعتدت علىذلك، فلا آنس بالخلوة مع
الله تعالى وكثرة ذكره. ثم عاد فقال: ولكن أريدمنكِ أن تضربيلي مثالاً على أثر
الغفلة في حياتي حتى ازداد فهماً وقناعة.
الغفلة: هب أنك ضعت في
صحراء قاحلة، ونفذ طعامك وشرابك حتى كدت تموت جوعاً،واستسلمت لشبح الموت،
وبينما أنت في انتظاره، رأيت قافلة بعيدة، قفزتقائماً، وأسرعتللحاق بها، وبينما أنت
تجري دخلت شوكة في قدمك فنظرت إلى أسفل، ثم رفعتبصرك وإذابالقافلة قد اختفت عن
ناظريك.
قلت: وأين معنى الغفلة
هنا؟الغفلة: النظر إلى أشواك
الدنيا يا عبد الله.
قلت: وما أشواك الدنيا؟الغفلة: هي التعلق بالدنيا،
وميلان القلب إلى النساء والمال والمنصبوالزينة وتقديمها علىحق الله تعالى، فحينما
تتحقق الغفلة بأنواعها المختلفة من غفلة القلب أواللسان أو الآذان أوالعين، وعندها يكون
المرء من أهل البلاء.
قلت: لقد تذكرت جملة قد
قرأتها منذ زمن، وهي قول لأحد العارفين حين قال:
(إذا رأيتم أهل البلاء
فاسألوا الله العافية).
ثم قال: أتدرون من أهل
البلاء؟هم أهل عن الله سبحانه
وتعالى.
الغفلة: نعم هذا صحيح،
فطوبى لمن تنبه من رقاده، وبكى على ماضى فساده، وخرجمندائرة المعاصي إلى دائرة
سداده، عساه يمحو بصحيح اعترافه قبيح اقترافه قبلأن يقول :
فلا ينفع ويعتذر فلا
يسمع، فالتفتت (الغفلة) إلى (عبد الله) وإذا بعينيهتذرف دموعاً.
فقالت له:
" ربما عثرة تعتري
الداعية في طريقه دلته على تقصير في الطريق فيزداد عملاًوتقوى
" .
ثم قالت: ولكني أبشرك يا
عبد الله فليس كل غفلة مذمومة، وإنما هناك غفلةمحمودة .
قلت: وهل هذا يعقل؟!
الغفلة: نعم وقد تحدث
عنها مطرف بن عبد الله - رحمه الله - حين قال:
" لو علمت متى أجلي
لخشيت على ذهاب عقلي، ولكن الله منّ على عباده بالغفلةعن الموت،ولولاها ما تهنأوا بعيش
ولا قامت بينهم الأسواق
" .
فهذا هو المعنى الوحيد
الحسن الأسمى، إلا أن الناس في غفلة عنه.
قلت: صدقت واللهالغفلة: ولكن هناك معنى
أخير، لم أتطرق لهقلت: وما هو؟ فإنني في
حاجة إلى فهم الغفلة فهماً شاملاً، حتى أعرف كيفأرتقي بنفسي وأصلح سريرتي.
الغفلة: أما المعنى
الأخير فهو معرفة السبب الرئيسي للاستهزاء بالناس،والنظر إلى عيوبهم وهو الغفلة عن التنفس.
كما قال عون بن عبد الله
- رحمه الله - ولا تغفل عن ذكر " ما أجد أحداًتفرّغ لعيب الناس إلا من غفل عن نفسه "
فاتعظ يا عبد الله ..