هل تطبيب الرجال للنساء والعكس من باب الحاجات أم الضروريات
السؤال:
إذا كانت المرأة تحتاج للعلاج من مرض في ذراعها في تخصص معين مثلاً فهل يجوز لها أن تذهب إلى طبيب رجل للعلاج إذا كانت توجد طبيبات متوفرات في هذا التخصص وبنفس الكفاءة تقريبًا بدون زيادة تكاليف، أم أن هذا يحرم عليها في هذه الحالة، ولا يكره فقط؟ ثم ما الحكم بالنسبة للطبيب إذا جاءته المرأة للعلاج في الحالة المذكورة؛ هل يجب عليه ما دامت الحالة ليست طارئة والحال ما ذُكر أن يمتنع عن علاجها ويأمرها بالذهاب للطبيبة؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فمسألة كشف العورة للتطبب: هل هو من باب ما يجوز للحاجة أم ما لا يجوز إلا عند الضرورة؟
الذي يدل عليه الدليل وكلام أكثر أهل العلم أن هذا من باب ما يجوز للحاجة، ولا يلزم وجود الضرورة، والفرق بينهما: أن ما يجوز للحاجة جاز مع وجود غيره مما يقوم مقامه وإن كان أقل منه بشيء ما، وما لا يجوز إلا عند الضرورة لا يجوز إلا إذا لم يوجد غيره، ونضرب على ذلك مثالاً:
اتخاذ أجزاء من الذهب أو الفضة لأجزاء من البدن مثل: سن من ذهب أو أنف من ذهب؛ فالدليل يدل على أن هذا لا يجوز إلا عند الضرورة؛ لأن رجلاً كسرت أنفه فأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يتخذ أنفًا من فضة فأنتن، فأذن له أن يتخذ أنفًا من ذهب، فتبين من ذلك أنه إنما جاز عند الضرورة؛ لأنه أمره أولاً بالبديل، وأما سد أو اتخاذ تضبيب الإناء واتخاذ سلسلة من فضة مكان موضع الشعب إذا انكسر موضع اليد؛ فقد أذن النبي -صلى الله عليه وسلم- في التضبيب بالفضة، وأذن كذلك في اتخاذ سلسلة من فضة في إناء مع إمكان أن يتخذ من نحاس، فدل ذلك على أن تضبيب الإناء بيسير الفضة واتخاذ سلسلة ونحو ذلك مكان الشعب المكسور إذا كان للحاجة.
فباب كشف العورات لأنه أصلاً من باب سد ذريعة الفواحش فالظاهر أنه جاز للحاجة، والدليل على ذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يأذن للنساء في الخروج يداوين الجرحى، وهذا مع إمكان أن يخصص رجالاً يقومون بهذا العمل، وليس كل الناس قد خرجوا للقتال، وكان هناك رجال بالمدينة فكان يمكن أن يخصص رجالاً للقيام بمداواة الجرحى، ولكن لما جعل النساء يداوين الرجال مع وجود الرجال دل ذلك على جواز هذا الأمر عند الحاجة، فالعبرة بوجود الحاجة.
ومما يدل على أن باب كشف العورات يجوز عند الحاجة قول علي -رضي الله عنه- للمرأة التي كانت تخفي الكتاب: "لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ" (متفق عليه)، وأيضًا يدل على ذلك أن بني قريظة لما أمر سعد -رضي الله عنه- بقتل مقاتلتهم وسبي ذراريهم كان يكشف عن مآزرهم؛ فمن وُجد قد أنبت قُتل، ومن وجد لم ينبت ألحقوه بالذرية، وهذا يقتضي النظر إلى العورة.
ولا يقال أن هذا في حق الكفار؛ وذلك لأن أمر العورات هو من باب سد الذريعة إلى الزنا، وهو محرم سواء أكانت المرأة مسلمة أو كافرة، ولذلك لا يجوز النظر إلى عورة كافرة، ولا يجوز أن ينظر الرجل المسلم أو يلمس بدن كافرة ولو كانت حربية؛ لأن الأمر ليس متعلقًا بحقها، وإنما الأمر متعلق بسد ذريعة الفواحش ومنع الزنا بالجوارح من النظر والسمع واللمس ونحو ذلك.
فإذا تبين الأمر بهذا تبين أن باب التطبيب على الصحيح من باب الحاجات، يجوز عند وجود الحاجة ولو وُجد غيره مما يقوم مقامه، ولكن الأفضل خصوصًا مع أن كشف العورات غالبًا ما يؤدي إلى وجود الشهوة، وهذا أمر لا يُؤمن، وما أُذن فيه عند الحاجة لم يؤذن معه فيه بالشهوة، وإنما أذن بنظر أو لمس بغير شهوة؛ فلما كان هذا الأمر أمر شاقًا وصعبًا كان الأولى والأفضل أن تذهب المرأة إلى الطبيبة، وأن يذهب الرجل إلى الطبيب، ولكن إن وقع خلاف ذلك نشترط عدم وجود الشهوة مع وجود الحاجة، والأفضل أن يذهب كل جنس إلى نوعه -والله أعلى وأعلم-.
ومسالة الطبيب غير المسلم في ذلك كالمسلم بشرط أمن الفتنة منه، ووجود المسلم يقتضي عدم جواز الذهاب إلى كافر مع كونه غير مأمون، لأن الكافر لا يردعه دينه، وإذا وجد مثلاً تقي مع فاسد وكلاهما بكفاءة واحدة لم يذهب إلى الفاسد.