من قال لكم نريد الاعتذار؟
الضجة الإعلامية التي صاحبت ما حدث في برنامج "بكل روح رياضية" على قناة الجزيرة الرياضية، والذي تناولت فيه موضوع تأجيل عقوبات الاتحاد الدولي على الاتحاد المصري بخصوص أحداث القاهرة، خاصة في وسائل الإعلام المصرية، تقودني مرة أخرى إلى التأكيد على أنني كنت محقا في إثارة الموضوع مجددا في برنامجي لأنه كشف المستور، ومحقا في مواصلة الكتابة في الموضوع، للتأكيد على أن الجرح عميق ونسيان ما حدث في القاهرة وبعد مباراة أم درمان من المستحيلات السبعة، ومن يقول غير ذلك يكذب وينافق ويريد تغطية الشمس بالغربال والهروب إلى الأمام..
المصريون لن ينسوا مرارة الإقصاء، وما فعله بهم الجزائريون على صفحات الجرائد ومواقع الانترنت، وما فعلوه بمقر شركة الطيران المصرية، وشركة أوراسكوم، وما تناقلته الفضائيات المصرية من رعب وصور مزيفة وشهادات زور لفنانين ومناصرين مصريين من الخرطوم. وحتى التتويج بكأس أمم إفريقيا بجدارة واستحقاق لم ينس المصريين إخفاقهم في التأهل إلى المونديال بسبب الجزائر والجزائريين، وكأن ذلك حقهم المشروع اغتصبه الجزائريون منهم، فراحوا يطالبون بضرورة الاعتذار، ومعاقبة الاتحاد الجزائري وجمهوره على أمور لم يلتقط منها مصور مصري واحد، ولا كاميرا واحدة من عشرين كاميرا مصرية كانت موجودة في السودان أية صورة.
أما الجزائريون ورغم تأهلهم إلى المونديال إلا أن صمتهم على الشتائم والاهانات وصبرهم على الافتراءات كان مؤقتا، لأنهم كانوا منشغلين بإقامة الأفراح والاحتفال بالتأهل إلى المونديال، ويبدو أنهم لم ولن ينسوا ما فعله الإعلام المصري ببلدهم وشهدائهم ورموزهم ونسائهم ورجالهم، وبتواطؤ من بعض السياسيين والفنانين والمثقفين، وحتى بعض اللاعبين.
وبعد أن كان الاعتذار مطلبا مصريا، رسميا وشعبيا، سرعان ما تنازلوا عنه لأنه لم يكن منطقيا ولا واقعيا، تحول المطلب إلى الطرف الثاني من الاتحاد الجزائري كشرط للمصالحة وعودة المياه إلى مجاريها، وهو الأمر الذي سارع بعض الإعلاميين في مصر إلى رفضه لأن الكبير حسب رأيهم لا يجب أن يعتذر للصغير.
كل هذه الأمور كشفت مرة أخرى عن حقد متبادل ستتوارثه الأجيال لا محالة، ومن يقول غير ذلك يكذب، كما أن قرار التوقف عن التراشق ليس بيد المصريين يضغطون على الزر متى يشاؤون، ويرفعون أيديهم عندما يريدون، والجزائر الرسمية والشعبية ليست في انتظار سمير زاهر حتى يعتذر، وإذا اعتذر على ماذا يعتذر؟
هل يعتذر على الاعتداء؟ أم يعتذر على الكذب بأن الأوتوبيس تم تكسيره من الداخل..
وإذا كان المصريون قد تنازلوا على طلب الاعتذار طواعية أو مرغمين، فان الجزائريين لا يطالبون بالاعتذار أصلا، لكنهم لا يريدون الصلح على الأقل في الوقت الراهن، وستتأكدون من ذلك على هامش اجتماعات الاتحاد العربي في جدة، التي يعلق عليها الجانب المصري أماله في الحفاظ على ماء الوجه.
الاتحاد الجزائري لا يقبل الصلح لأنه ليس حر نفسه، ولأن ثقته في نظرائه تزعزعت، والجزائريون لا يريدون الاعتذار لأنهم يدركون بأنه لن يكون خالصا لله، ولا يريدون الاعتذار لأن الإعلام المصري أساء إلى مصر وشعب مصر قبل أن يسيء إلى الجزائر، وكرامة الجزائريين وعزتهم ليست مرتبطة بتداعيات مباراة في كرة القدم.
أما من سيعلقون مجدداً على قناعاتي وكتاباتي ويفسرونها كما يشاءون أجدد التأكيد على أنني لست مع التصعيد ولست من دعاة المصالحة المزيفة، وأدعوهم إلى أن يضعوا أنفسهم في أماكن بعضهم بعضا:
كل مصري يضع نفسه في مكان الجزائري، والجزائري في مكان المصري ويقرأ الموضوع ويعود إلى مقالاتي السابقة في ثوب غير ثوبه الأصلي، أما المحايدون من القراء العرب فأدعوهم إلى التبصر والحكمة والتجرد من كل الأفكار المسبقة، وكل التأثيرات مهما كان مصدرها وعودوا بالذاكرة إلى سيناريو الأحداث وما صاحبها من تهويل وتضليل لتفهموا بأن الجرح عميق..