سيدنا محمد صلى اللّه عليه وسلم لم ُيفتن بالدنيا وشهواتها أبداً وليس لديه لا أقل ولا أكثر، إنما هو مفتونٌ فقط بالله وقد سلَّم نفسه لله (والذي نفس محمدٌ بيده) وليس معه شيء إلا اللّه ومن قال عنه أنه مفتونٌ بغير الله فكلُّ إناءٍ بما فيه ينضح وإنما يضع برسول الله دسوس لا أصل لها إنما هي فتنته هو وضعها برسول اللّه وحاشا أن ينفتن رسول الله إلا بالله.
لم ينفتن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إلا بربه وفتن العالمين جميعاً به وحَّولهم عن مفاتن الدنيا كلها إلى عطاءات ربه، وكل ما خلا الله باطل وضلال وكل فتنة من فتن الدنيا ضلال وسيد الخلق شهد به ربه: {مَا ضَلّ صَاحِبٌكٌمْ وَمَا غَوَى} سورة النجم (2).
ودليل فتنته بربه أنه ترك الدنيا وملذاتها والفتن كلها وشغف بربه وذهب إلى غار حراء الذي قدَّر فيه ربه وحصل على ليلة القدر فيه وشهدت العرب كلها بأن محمداً عشق ربه ولو فتن يغير الله لما سمُّوه محمد الأمين، فهو الذي لم يصافح امرأة ولم يفتن بامرأة قط ولم يسجد لصنم أبداً وما عرف إلا الله ولا تكلم إلا عن الله وما دلّ إلا على لا إله إلا الله وهو الوحيد الذي عرّف الناس بكمالات الله وصفاته العلية، وهو الذي دسر كافة ملكاته وطاقاته وميولاته حباً بالله وسلَّم نفسه تسليماً مطلقاً لله حتى كان صلى الله عليه وسلم يٌقسم بالله بقوله: (والذي نفس محمد بيده) فكان بذلك وحيٌ يوحى ولسانه صلى الله عليه وسلم بالله ينطق وهو معلّم الأنبياء وإمام المرسلين جميعاً وسيدنا موسى عليه السلام قد فتن بربه فتوناً قال تعالى عنه :
{..وَفَتَنَاكَ فٌتٌوناً.} سورة طه (40). أي فتن بحب الله.
وكذا سيدنا داوود عليه السلام قال تعالى عنه: {...وَظَنّ دَاووٌدٌ أَنّمَا فَتَنّاهُ..} سورة ص (24). أي فتن بحب الله فجعل يوماً لذكر الله ويوماً للملْك يقضي بين الناس فما بالك بسيدهم وإمامهم وسيد المحبين لله صلى الله عليه وسلم.
أحبّ الله حباً ميَّزه عن جميع السادة الرسل الكرام والأنبياء العظام فسيدنا إبراهيم خليل الله وسيدنا موسى كليم الله وسيدنا عيسى من روح الله أما سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام حبيب الله.
وآية: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } سورة آل عمران (31): دليل صادق على أن سيدنا محمد سيد المحبين لله، فلم يسمع إلا كلام الله ولم يطع سوى الله وأسمع العالمين وحبَّبهم بالله ومن أطاعه فقد أحب الله إذن هذا دليل على أنه لم يفتتن إلا بالله، فلم يفتتن بالدنيا وما فيها لأن الدنيا ملعونة ملعونٌ من فيها وتبعد عن حب الله لأن حب الدنيا رأس كل خطيئة، أما سيدنا محمد فهو معصوم عن الخطأ والزلل ولم يزغ بصره عن حضرة ربه شوقا ًوشغفا ًوحبا ً له {مَا زّاغَ الْبَصَرٌ وَمَا طَغَى} سورة النجم (17).
والله يقول: {فَسَتٌبْصِرٌ وَيٌبْصرٌونَ، بِأَييّكٌمٌ الْمَفْتٌونٌ، إِنّ رَبّكََ هٌوَ أَعْلَمٌ بِمَنْ ضّلْ عَنْ سَبيله...} هذا هو المفتون {..وَهٌوَ أَعْلَمٌ بِالْمٌهْتَدِينَ} سورة القلم (5-6-7).
فكل من يظن بالرسول صلى الله عليه وسلم أنه فُتن بغير الله وأن أية فتنة من فتن الدنيا دخلت قلبه فإن هذه الفتنة في الحقيقة في الشخص الذي ظن هذا الظن السوء، هي فيه ويظنها في رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنظاره الخاطئ، وما هي برسول الله أبدا ً لأن الله يشهد بسموه وعلوه وأنه لعلى خُلقٍ عظيم، لأنه تخلَّق بأخلاق الله تعالى كلها فلم يزغ بصره إلى الدنيا أبداً { مَا زَاغَ الْبَصَرٌ وَمَا طَغَى}.
نفسه الشريفة الطاهرة النقية الزكية ما حوت إلا الله، وما تلوثت هذه النفس الشريفة الطاهرة من أدران الدنيا ومفاتنها أبداً كالماء العذب الطاهر النقي ذراتها.
فهو الوحيد الذي خرج بين الناس والأمم جميعا ً وعرَّفهم بالله وعلَّم الصحب الكرام ثم العالمين جميعا ًكمالات الله ومعاني أسمائه الحسنى.
وكلمة الله مأخوذة من كلمتي أَلِهَ ووَلِهَ أي: لو شاهدت ما آل إلى الله تعالى من مزيد الفضل والإكرام عليك وعظيم المحبة والحنان لتولَّهت به حبا ًوهياما ً ولطارت نفسك عارجاً في بحور الجلال والجمال والعظمة الإلهية ولحلَّقت نفسك عشقاً وشغفاً بذي الجلال إقبالاً عليه لاترى إلاَّه ولا تنطق بسواه ولا تنشغل فكراً وقلباً إلا بالحبيب الأول، وبهذا المضمار كان لسيد الخلق قصب السبق.
فكان الناس قبل مجيئه صلى الله عليه وسلم للدنيا مفتونين بالدنيا وحبها حتى الصحابة الكرام كانوا في ضلال مبين كما ذكر تعالى فأخرجهم من حب الدنيا الدنية إلى حب الله حبيبه وستر نساء العالمين، فما أحب صلى الله عليه وسلم إلا الله وحبَّب العالمين بالله فلم يفتن صلى الله عليه وسلم إلاَّ بربه خالق الجمال، والذي يقول أنه أحب غير الله فقوله من الدسوس التي لاأصل لها ولا دليل ولا تبرير وهي أقوال باطلة وكل تبرير بني على باطل فهو باطل، مردود.
لو أحب أحدُُ ربه كما أحبه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لسمَّاه الله تعالى حبيبه، إذاً هو أحب الله أكثر من كل البشر لذلك حظي باسم حبيب الله.