أولًا: الوسائل الإلكترونية الحديثة:
1- التليفزيون:
إن الطفلَ أسبقُ من غيره في البحث وحب الاستطلاع؛ وذلك لرغبته في أن يكوّن لنفسه صورةً مختلفة عن البيئة التي يعيش بداخلها، وللإعلام أثر كبير في تكوين شخصية الطفل والتأثير فيه سلبًا أو إيجابًا، ولكن الضرر الناتج عن الإعلام على الطفل كبير جدًّا، وتزداد مساحةُ ذلك الضرر بازدياد التوسع الإعلامي الرهيب وتنوع البرامج الخاصة للأطفال, وقدرة أصحاب تلك البرامج على الخروج بأعمال إبداعية تسحر لبّ الأطفال، وتجذب أفئدتهم وتشدهم للمشاهدة ساعات طويلة بدون ملل أو انقطاع، وتتنوع أضرارُ شاشة التلفاز وتبعاته السلبية وآثاره الهدامة على أطفالنا بتنوع اهتمامات الأطفال ووضعهم الأسري والاجتماعي والصحي، ويعد التليفزيون من أخطر وسائل الاسترخاء، بل والتخدير في العصر الحديث، فخطر التليفزيون أعظم من أن يوصف، لذلك لما وصفه أحد الباحثين بأنه: (الأب الثالث) للطفل، رد عليه آخر قائلًا: (لا .. بل هو الأب الأول).
يقول علماءُ الاجتماع: إنه يجب على التليفزيون أن يعمل على تدعيم ثقافة الشباب بدلًا من هدمها في ظل ما وصلت إليه من مستوى أخلاقي منحدر، ويصل الشباب إلى التقليد الأعمى باعتبار أنه يعرض الموضة..
ويقول علماء النفس: إن التأثير النفسي من مشاهدة المناظر الخليعة المبتذلة يكون سلبيًّا جدًّا خصوصًا لدى الشباب غير المتزوجين سواء كانوا بنين أو بنات؛ لأن مثل المناظر الخليعة تعمل للإغواء الجنسي بطريقة علنية؛ لأن المشاهد عندما يرى مشاهد عارية لمطرب أو مطربة تحدث له حالة غير إرادية من الرغبة الجنسية، وبصفة خاصة الأغاني الإباحية التي يجب على المسئولين أن يمتنعوا عن تقديمها تمامًا؛ وذلك حرصًا على سلامة شبابنا الذين هم أصل المستقبل لا سيما الأطفال والمراهقين.
ومن الأضرار الخطيرة التي يتعرض لها الطفل المسلم من جراء المكث أمام التليفزيون ما يلي:
أولًا: ضياع الوقت وإهداره فيما لا ينفع:
يعرض على شاشة التليفزيون منوعات كثيرة من الأفلام الكرتونية الكثيرة، والمسابقات والألعاب والمغامرات وقصص الخيال والمسلسلات وغيرها، مما يجعل الطفل يمكث الساعات الطوال أمام التليفزيون لا يتحرك، وقد أخذت شاشة التلفاز فعلًا من أوقات أطفالنا الشيء الكثير، وأصبحوا أسرى لما يبث من مشاهد وبرامج على تلك الشاشة الجذابة، وصار ذلك الوقت مما يؤثر سلبًا في صحتهم وفكرهم وحياتهم بشكل عام، ويشترك المربي معهم في هذه الجريمة، وإيقاع الظلم عليهم وعلى أوقاتهم الثمينة، خاصة ونحن نعلم قيمة الوقت، وحرص شريعتنا على الاهتمام به، وتربية الطفل وتوعيته أفضل من إصلاح إنسان فاسد.
ثانيًا: حرمان الطفل اللعب:
إن من أبرز الآثار السلبية للمشاهدة التلفازية في التكوين النفسي والسلوكي للأطفال هي حرمان الطفل أوقات اللعب؛ إذ تجور ساعات المشاهدة على وقت لعب الأطفال الذي هو الشغل الشاغل للطفولة والذي يعد أهم أداة لنقل الكثير من المعارف، والوسيلة التي يستطيع بها أن يمارس ويطور سلوكيات ضرورية لنجاحه ككائن اجتماعي، ففي أثناء اللعب يكافح الطفل ليتغلب على المشكلات والمصاعب التي تواجهه ضمن محيطة، لقد كان يظن أنه يمتلك القدرة على التحكم بمحيطه لكنه يتعلم سريعًا أن عددًا كثيرًا من الأشياء لا يمكن تحريكها (كالأشجار) ويتعلم أيضًا أن بعض الأعمال محظورة (كإيذاء الحيوانات) وأن بعض الأشياء تسبب الألم (كلمس النار)، كما أن اللعب له أثر مهم في نمو الطفل الانفعالي، فهو يتعلم مع الوقت كيف يسيطر على سلوكه المتهور العدواني النزّاع إلى الاستبداد عندما تسبب هجماته بكاءَ زملائه في اللعب أو تراجعهم أو تصديهم له ومهاجمته.
لذلك أدى غيابُ اللعب نتيجة طول أوقات الجلوس أمام التلفاز إلى نكسة في نمو قدرات الأطفال وأصبح طفل التلفاز يتميز بسلبية متزايدة وقدرة أقل على تحمل الإحباطات الصغيرة وتدنٍّ في المثابرة فلا يتحمل الانهماك في عمل يبدو على شيء من الصعوبة في البداية، بل إنه في حاجة دائمة إلى الإثارة والتشويق، فنجده يحجم عن تحمل البداية البطيئة على أمل الفوز بمكاسب لاحقة.
ثالثًا: صعوبة تعامله مع التجارب والأحداث التي تواجهه في حياته:
وينتج عن ذلك أيضًا عدم قدرته للمواجهة مع الآخرين، وعدم قدرته على حل مشكلات الحياة التي تواجهه بين الفينة والأخرى، وذلك كله بسبب ركونه إلى المشاهدات التلفزيونية التي بعثت فيه الأمراض المتعددة والمختلفة الصحية منها والنفسية والاجتماعية وغيرها.
رابعًا: متابعة القنوات الانحلالية:
وذلك يؤدي إلى ضياع الدين، وفساد المروءة، وقلة الغيرة، ووأد الفضيلة، وقتل الحياء، إضافة إلى ظلمة القلب، وطمس نوره.
خامسًا: تقليد ممارسة العلاقة الزوجية بين الأطفال:
وذلك من الأضرار والمخاطر التربوية والأخلاقية، ويؤدي إلى إثارة الغرائز لديه مبكرًا، ولقد شوهد بعض الأطفال يفعلون ذلك مع أخواتهم ولم يتجاوزوا ثلاث سنوات، وعندما سئل الطفل قال: (كما في الفيلم)، وإنا لله وإنا إليه راجعون، وهذا سببه ما يعرض في أفلام الرسوم المتحركة من قصص العشق والغرام ودفاع البطل عن حبيبته في أفلام (الأكشن) واللباس الفاضح وصور الضم والقبلات بين عناصر الفيلم ذكورًا وإناثًا، وكل تلك الصور والمشاهد يتشبع بها عقلُ الطفل ويبدأ في تقليد ما يرى مع إخوانه وأخواته في المنزل أو في لباسه وتصرفاته ومعاملاته، وهذا ينشئ خطرًا عظيمًا على ناشئة الأمة، وذلك بعنايتهم بكل همٍّ سافل أو أمر منحط حتى لا تجد من بينهم (إلا من رحم ربي) من يسمو بنظرته أو يرقى باهتمامه.
سادسًا: زعزعة عقيدة الطفل في الله:
فالرسوم المتحركة لها أثر عظيم في زعزعة عقيدة الطفل في ربه، مثل ما يحدث مثلًا في برنامج ميكي ماوس، هذا الفأر الذي يعيش في الفضاء، ويكون له تأثير واضح على البراكين والأمطار، فيستطيع أن يوقف البركان وينزل المطر ويوقف الرياح، ويساعد الآخرين، لماذا يجعل هذا الفأر في السماء؟ ولماذا يصور على أن له قوة في أن يتحكم بالظواهر الأرضية؟ إنها تلميحات خبيثة، أهدافها واضحة للجميع، واشتمال بعض الأفلام الكرتونية على الكثير من الأخطاء العقدية الخطيرة التي قد يعتادها الطفل ويعتقد صحتها، وهذا كثير جدًّا فيها، كظاهرة الانحناء للغير، حتى تكون الهيئة أقرب ما تكون للسجود والركوع، ومن ذلك اشتمالها على السحر فربما يصورون الساحر على أنه رجل أو امرأة مليء بالطيبة ومحبة الخير للناس ويساعد المظلومين، كما في برنامج سندريلا، التي تصور فيها امرأة ساحرة طيبة تساعد سندريلا على حضور حفلة الملك والاستمتاع بالرقص وغير ذلك، وقد بلغ تأثير مثل هذه المشاهد إلى أن أطفالنا يرددون الكثير من عباراتهم بشكل خطير نخاف فيه أن يطلب الأبناء من الآباء تعلم السحر.
سابعًا: تشويه صورة المتدينين:
سواء قصدوا أو لم يقصدوا، ويظهر هذا جليًّا في برنامج (بباي) مثلًا، والذي يصور رجلين أحدهما طيب وخلوق والآخر شرير، يصورون ذلك الشرير على صورة رجل ملتحٍ، قاصدين في ذلك تشويه صورة المتدينين من المسلمين وذلك في استخدام أحد رموز الدين والالتزام ألا وهي اللحية، فهم يصورون الملتحي هذا بأنه شرير ومختطف وسارق ويحب الشر ويقوم بالتفجير ويلاحق النساء أو بمعني آخر إرهابي، فلماذا صور الرجل الشرير رجلاً ملتحيًا؟ ولماذا استخدم رمز الدين لدى المسلمين؟ ولماذا لم يجعل ذلك الشرير حليقًا والطيب ملتحيًا؟ تساؤلات تطرح يمكن أن يجيب عنها منتجو تلك الرسوم من اليهود، فيجب أن نتنبه لذلك.
ثامنًا: نشر التبرج والسفور:
وتنبيه الطفل لبعض الأمور المخلة بالأخلاق، وهذا كثير جدًّا في الرسوم المتحركة التي يُترك لها الطفل بالساعات الطوال، ويمكن القول: إنه لا يكاد يوجد برنامج كرتوني يعرض الآن على التلفاز يخلو من عري أو غزل أو ملاحقة الفتيات، ولا عجب فهذا ما يحتويه مجتمعهم، وهذا ما يريدونه من العالم، مشاهد تحتوي على صدور بادية وأفخاذ عارية وغزل بين الجنسين وتعبير عن المحبة في جو رومانسي عجيب وملاحقة الفتيات، وتقديم الهدايا لهن لكسب مودتهن، وترك الأشغال والأعمال بمجرد ما يرى الفتاة، إن عرض مثل تلك المشاهد دون رقيب يجعل الطفل يعتاد مثل هذه الصور والمظاهر، بل قد تربي الطفل على تلك الأعمال المنافية لديننا وأخلاقنا.
تاسعًا: نشر الرعب والخوف:
بل يتجاوز الأمر إلى فتح آفاق كبيرة للطفل في عالم الجريمة، ذكر أن والدا طفل أرادا الذهاب لأمر ما، وترك ابنهما في البيت وحده فغضب الطفل، فلما ركب والدا الطفل السيارة وجدا ضوء الإنذار مضيئًا كدلالة على خلل معين، فلما تكشف الوضع وجدا أن سلكًا قد قطع وأثر القطع يبين أنه بسكين لا من نفسه، فلما استخبرا الأمر اعترف الابنُ بأنه هو من فعل هذا، وكان يريد أن يقطع سلك فرامل السيارة انتقامًا منهما؛ لأنهما سيتركانه وحده، ولما سُئل كيف حصل على هذه الطريقة؟ أخبرهما أنّها من إحدى الرسوم المتحركة.
ويصاب الأطفال بزيادة معدل الخوف عندهم بصورة ملحوظة؛ وذلك لزيادة المشاهد المرعبة على شاشة التلفاز مثل: (الدماء - الجرحى – القتلى – الأسلحة - الحيوانات المفترسة – الأشباح- الحروب وغيرها الكثير من المشاهد المرعبة في الأفلام والمسلسلات وأفلام الكرتون) وكل ذلك يولد لدى الطفل شعورًا بالخوف المتكرر والدائم أحيانًا وينزع منه الأمان الذي يستحق أن يتمتع به، بل هو حق واضح على الوالدين خاصة والمجتمع بشكل عام أن يمنحوه أطفالهم، ومكوث الطفل أمام هذه الشاشة باستمرار يجعله يُؤمن بطبيعتها وأنها حتمية الحصول فتؤثر في مسيرته المستقبلية وشخصيته القادمة، فيصاب من خلال ذلك الشعور بالازدواجية في الشخصية والعقد النفسية المتكررة، وهي تنمي فيهم أيضًا الصفات السلبية كالحقد والكراهية وحب الانتقام، بل ربما يخاف بعضُ الأطفال من الظلام ويبكون وهم يتصورون أن الشبح الذي رأوه سوف يظهر لهم، بل ربما يحلمون به عند نومهم ويصحون يبكون وعند سؤالهم يقولون: الشبح أو العفريت، مما يسيطر على خيالهم ويخيفهم، مما رأوه في التليفزيون من تلك المشاهد.
عاشرًا: نشوء الأمراض النفسية والجسدية:
إن مكوث الطفل أمام شاشة التلفاز لأوقات طويلة يعرضه لأمراض نفسية وجسدية متعددة، وتختلف هذه الأمراض باختلاف مدة مكوث الطفل أمام الشاشة وقربه وبعده منها، وتأثره لما يعرض فيها من عدمه، ومن تلك الأمراض حصول القلق والاكتئاب والشيخوخة الكبيرة التي تنتج من التعرض للموجات الكهرومغناطيسية المنبثقة من شاشة التلفاز، إضافة إلى ما يحصل من أضرار جسيمة كزيادة الوزن وترهل العضلات وآلام المفاصل والظهر.
والأخير: إفساد اللغة العربية لدى الأطفال:
إن ما يعرض من صور ومشاهد على شاشة التلفاز يكون غالبًا بلغة هشة هزيلة عامية مبتذلة؛ إما أن تكون لهجة بلد معين ليست حتى بلهجة بلد ذلك الطفل، أو عربية مكسورة في الأداء والقول، ومن المؤسف أن تجد اهتمامات منتجي تلك الأفلام باللغات المحلية والدارجة على ألسن الناس، وتغافلهم عن اللغة العربية الفصحى، وهذا مما يؤدي أيضًا إلى انحراف لسان الطفل إضافة إلى انحراف فكره وتوجهه واهتماماته.
وأخيرًا فإن علينا أن نعي خطورة هذه الشاشة الجذابة على عقول أطفالنا وأوقاتهم واهتماماتهم، وأن نقدر حاجتهم لها بقدر ما يشبع رغباتهم في المشاهدة، وألا نستهين بما تقدمه لهم من برامج وعروض مختلفة، ومرة أخرى أقول: إنه على الوالدين أمانة عظمى في السعي بأولادهم إلى أمكنة الأمان، وحمايتهم من كل ما يؤثر فيهم سلبًا في حياتهم وتربيتهم بأن يكونوا عدة لدينهم ومجتمعاتهم.