منقول
بعد مرور حوالي سنتين على اندلاع ثورة الفاتح من نوفمبر 1954، وبعدما تمكنت من التوسع، بات من الضروري تحديد إستراتيجية سياسية، عسكرية عامة لجبهة التحرير الوطني تهدف إلى وضع منهجا تحدد فيه بوضوح مسارها، وتقسيم من خلاله هذه المسيرة، لهذا السبب استدعي قادة الثورة لعقد مؤتمر بوادي الصومام يوم 20 أوت1956،الذي تمكنوا من خلاله تحديد الأهداف السياسية للثورة وتنظيمها تنظيما شاملا في كل المجالات السياسية منها والعسكرية والاجتماعية.
المبحث الأول: ظروف انعقاد المؤتمر:
يعتبر مؤتمر الصومام من أبرز الأحداث التاريخية للثورة الجزائرية، ومنعطفا حاسما في تاريخ جبهة التحرير الوطني، وقد جاء كنتيجة حتمية للظروف التي أحاطت بالثورة والمتمثلة في جملة التطورات و الانتصارات السياسية والعسكرية التي حققها من تاريخ اندلاعها في أول نوفمبر1954 إلى غاية انعقاد المؤتمر([1]).
فكانت النتائج المحققة خلال هجومات 20 أوت 1955 دافعا قويا للمسؤولين لمحاولة التعرف على حقيقة، الوضع بعد ذلك، وتقييمه منذ انطلاقة الثورة وتوضيح الرؤى المستقبلية([2]).
إضافة إلى هذا هناك جملة أخرى من العوامل ساعدت على عقد المؤتمر تمثلت في صعوبة الاتصال بين مختلف قيادات جيش التحرير الوطني حيث أن مناطق الكفاح قبل انعقاد مؤتمر الصومام كانت لها قيادات خاصة، أي لا يربط بينها إلا الاتجاه الثوري العام. ولم يكن على رأسها قيادة موحدة وهذا ما أدى على جعل المناطق شبه معزولة عن بعضها البعض. كما كان ضعف التنسيق في الداخل مع الخارج بشكل تهديدا خطيرا ونقطة ضعف بمكن للعدو أن ينفذ منها إلى قلب الثورة، وكذلك نقص الإمكانيات المادية المتمثلة في نقص المال لشراء السلاح وضعف الإستراتيجية التي أدت إلى ضعف التكوين السياسي للفرق المسلحة حيث يكاد يكون معدوما([3]).
وخاصة بعد المجهودات التي بذلتها فرنسا كمحاولة منها لخنق الثورة في مهدها، لذلك فإن هذا المؤتمر أصبح ملحة وذلك أملا في تحقيق الأهداف التالية:
1-تقييم المرحلة السابقة من عمر الثورة، بكل إيجابياتها وسلبياتها قصد إزالة السلبيات، وتدعيم وتطوير ما هو إيجابي.
2-وضع إستراتيجية تنظيمية موحدة وشاملة ودائمة للعمل الثوري على الصعيدين الداخلي والخارجي.
3-الخروج بتنظيم جديد ومحكم في الميدان السياسي والعسكري والإداري وكذا الاجتماعي.
4-إيصال صدى الثورة الجزائرية إلى الرأي العام العالمي.
إصدار وثيقة سياسية عملية للثورة.
توحيد المواقف بالنسبة للقضايا المطروحة على الساحة الوطنية آنذاك([4]) وعلى هذا الأساس سعى قادة الثورة إلى تحضير اجتماع وطني لدراسة أوضاع الثورة. وتشريع ميثاق سياسي يعمل على إيجاد قيادة مركزية موحدة للثورة تقوم بتسيير المقاومة.
المطلب الأول: عقد المؤتمر.
إن للظروف السالفة الذكر جعلت القيادة العليا تتخذ القرار بعقد مؤتمر وطني فيه قادة جبهة التحرير وجيش التحرير لوضع قاعدة أساسية تقوم عليها إستراتيجية العمل الثوري. وفي هذا الصدد يقول المجاهد ابن طوبال:"قررنا تنظيم ملتقى أو ندوة وطنية... للمناقشة وبدا ذلك منذ شهر أفريل 1956 في تنظيم المؤتمر"([5]).
ومنذ ذلك التاريخ شره القادة في الإعداد للمؤتمر، فجرت اتصالات عديدة بين مسؤولي المناطق وقادتها،حيث قام "زيغود يوسف" قائد المنطقة الثانية " الشمال القسنطيني" ببعث رسائل إلى قادة المناطق يقترح فيها عقد مؤتمر وطني بهدف دراسة التجربة الثورية وتوحيد العمل السياسي والعسكري، ووضع إستراتيجية جديدة للثورة([6])، فتلقى زيغود جوابا بالموافقة لكل من "كريم بلقاسم" قائد المنطقة الثالثة و"أعمر أو عمران" قائد المنطقة الرابعة ونائبه "عبان رمضان" بواسطة الطالب " رشيد عمارة " ([7])، وكانت الفكرة متجهة إلى عقده في المنطقة الثانية، فأعطى زيغود تعليماته بالإعداد لاحتضان المؤتمر، وتمت الموافقة على المكان المسمى " بوزعرور" في شبه جزيرة القل، كمقر لاحتضان المؤتمر لحصانته وانطلقت الأشغال بتوفير الأمن وإعداد التموين.
لكن صعوبات وصول نبأ استشهاد "بن بولعيد" اثر على عملية التحضير إذ أصبحت الظروف غير مواتية لعقد المؤتمر هناك، وبعد ذلك تم اقتراح الأوراس وجبال سوق أهراس، ثم الأخضرية الواقعة بالمنطقة الرابعة، وحدد يوم 21 جويلية 1956لعقد المؤتمر، لكن تسرب الأخبار عن مكان وزمان عقد المؤتمر لسلطات الفرنسية أدى بالقيادة الثورية إلى إلغائه([8]).
وبعد مداولات عديدة تم الاتفاق على عقد المؤتمر في منطقة وادي الصومام، حيث مركز الولاية الثالثة وبالضبط في قرية افري أوزلاقن([9]) ولم يكن اختيار هذا المكان عشوائيا وإنما نتيجة لمجموعة من الأسباب يمكن إجمالها فيما يلي:
1- وجود المكان في منطقة حصينة، ومحاذية لغابة أكفادو الكثيفة والتي لها اتصال بغابة جرجرة وجبالها.
2- كان دوار أوزلاقن في تلك الفترة منطقة هادئة، لمتحدث فيها أية عملية حربية، لمدة تسعة أشهر، مما جعل العدو يعتقد بأنها منطقة آمنة وسالمة ولا علاقة لها بالثورة.
3- بعد الحملة التي قام بها الجنرال ديغول، أعلن العدو أنه قد سيطر على المنطقة وأنها أصبحت تحت سلطته. وأنها باتت خالية من الثورة، لذلك أراد الثوار إثبات العكس وذلك بعقد المؤتمر في تلك الجهة.
- أما عن سبب اختيار 20 أوت كتاريخ لعقد المؤتمر فيعود إلى كونه يوافق ثلاث ذكريات هامة:
أ- انتفاضة 20 أوت 1955 التي عمت منطقة الشمال القسنطيني.
ب- نفي محمد الخامس ملك المغرب يوم 20 أوت 1952 إلى جزيرة مدغشقر بصفته ممثل الفكر التقدمي الحر في مراكش يومئذ.
ج- قرب ذكرى انعقاد دورة هيئة الأمم المتحدة في أكتوبر 1955 التي دخلتها القضية الجزائرية رغما عن فرنسا([10]).
بعد أن أتمت قيادة المنطقة الثالثة كافة الترتيبات الأمنية والاستعدادات المطلوبة لعقد المؤتمر، انطلقت أشغاله يوم 20 أوت واستمرت إلى غاية 5 سبتمبر 1956 في بيت المدعو "مخلوف" وقد حضر المؤتمر كل من:
-محمد العربي بن مهيدي: (ممثل المنطقة الخامسة) رئيس الجلسة.
-رمضان عبان: (ممثل جبهة التحرير الوطني) كاتب الجلسة.
-عمر أوعمران: (ممثل المنطقة الرابعة).
-يوسف زيغود: (ممثل المنطقة الثانية).
-عبد الله بن طوبال: (نائب زيغود يوسف).
وتغيب عن حضور المؤتمر ممثلي المنطقة الأولى "الأوراس" بسبب استشهاد القائد" مصطفى بن بولعيد" في 25 مارس 1956، غير أن بعض المصادر تذكر بأن هناك وفدين قدما من منطقة الأوراس للمشاركة في أعمال المؤتمر لكنهم وصلوا بعد انتهاء أشغاله([11]) بالإضافة إلى عدم حضور ممثلي المنطقة السادسة " الجنوب فيما بعد" وذلك لظروف حالت دون حضورهم المؤتمر غير أنهم بعثوا بتقريرهم([12]) وسجل كذلك عدم حضور الوفد الخارجي الممثل لجبهة التحرير، وذلك لصعوبة الوصول إلى مكان انعقاده من جهة، وإلى كون جيش التحرير ما يزال متواجدا في كل من تونس والمغرب من جهة أخرى، كما أن البحر والجو كانا مراقبين من طرف فرنسا، ومع ذلك فقد شاركوا في أشغال المؤتمر بصفة غير مباشرة عن طريق "محمد خيضر" الذي قدم اقتراحات باسمهم في إطار ما تمت مناقشته في المؤتمر من ناحية الخطة السياسية المراد إنتاجها([13]).
وهكذا استطاع المؤتمر استعراض حصيلة 22 شهرا من الكفاح خلال عشرة أيام مناقشة لجدول أعمال شامل كل ما يتعلق بالثورة من قضايا الساعة وآفاق المستقبل.
المطلب الثاني: جدول أعمال المؤتمر:
كانت الساعة تشير إلى الثامنة صباحا تحت إشراف الأخوين " العربي بن مهيدي و رمضان عبان"، الذين شرحا الأسباب التي دعت إلى عقد هذا المؤتمر والمواضيع التي سيتناولها المشاركون([14]).
-كان أول تدخل من طرف زيغود يوسف، الذي قدم تعزيزا مكتوبا تعرض فيه للوضعية المادية والعسكرية للمنطقة الثانية.
-ثم قدم " كريم بلقاسم " تقرير شفهي عن الإمكانيات المادية والبشرية للمنطقة الثالثة تحدث عن أفراد الجيش، كميات الأسلحة، المصاريف...
-أما "عمر أوعمران" فقد تناول في تقريره الإمكانيات العسكرية والمادية للمنطقة الرابعة.
-وعن المنطقة الخامسة فقد ورد تقريرا للعربي بن مهيدي تناول فيه الوضعية المالية والعسكرية.
-كما أعاد عمر أوعمران تقديم تقريرا أخر عن المنطقة السادسة نيابة عن سي الشريف (علي ملاح) تناول فيه إمكانيات المنطقة- المادية وكذا العسكرية([15]).
وخلال الاجتماع طرحت النقاط المدرجة في جدول الأعمال للنقاش وتمحور حول:
1- دراسة ومناقشة تقارير المناطق التي تضمنت عرضا مفصلا عن الجوانب العسكرية والسياسية، المالية:
أ-تقرير نظامي: عن كيفية التقسيم والهيكل العام للجيش ومراكز القيادة.
ب-تقرير عسكري: عنعدد المناضلين والمجاهدين، الوحدات ونظام تركيبها والأسلحة.
ت-تقرير مالي: المداخيل، المصاريف.
ث-تقرير سياسي: عن معنويات المجاهدين والشعب.
2- القاعدة السياسية والنشرات المقررة.
3- التوحيد.
أ- توحيد النظام وتقسيم المناطق: تعيين مراكز القيادات المحلية وإجراء التغيرات على القيادات.
ب-توحيد عسكري: في الوحدات والرتب العسكرية والمنح العائلية.
ج- توحيد سياسي: المحافظون السياسيون ومهماتهم.
د- توحيد إداري: المجالس الشعبية.
4- جبهة التحرير الوطني: مبادئها وقوانينها الأساسية، تنظيمها الداخلي، والهيئات المسيرة.
5- جيش التحرير الوطني: الألفاظ المستعملة (المجاهد، المسبل، الفدائي)، توسيع الهجومات والإكثار من العمليات.
6- العلاقة بين جبهة التحرير وجيش التحرير: العلاقة بين الداخل والخارج وخصوصا تونس والمغرب وفرنسا.
7- العتاد والسلاح.
8- نظام العمل: سياسيا وعسكريا، وسائله المادية، إيقاف القتال والمفاوضات، هيئة الأمم المتحدة والحكومة المؤقتة.
9- مواضيع مختلف([16]).
وفي سرية تامة نوقشت هذه البنود، وذلك لضمان السير الحسن لأشغال المؤتمر هكذا درست كل نقطة من نقاط جدول الأعمال دراسة متأنية، وشكلت لجان لاقتراح الحلول للمشاكل التي تعترض الثورة، وفي اليوم الأخير صادق أعضاء المؤتمر على الوثيقة السياسية، ثم عقدوا اجتماع مع كبار ضباط الولاية الثالثة حيث قدموا لهم عرضا عن سير المؤتمر والنتائج التي خرج بها([17]).
المبحث الثاني: قرارات المؤتمر ونتائجه:
المطلب الأول: قرارات المؤتمر:
تعتبر قرارات مؤتمر الصومام من وثائق الثورة الهامة وتتقسم إلى قرارات سياسية وأخرى عسكرية، شملت تحديد نظام الجيش التحرير وتحديد أهداف الجبهة من الحرب وعلاقتها بجيش التحرير، ويمكن ترتيبها على النحو التالي:
أ- على الصعيد السياسي:
التنظيم السياسي ويشمل المهام الأساسية لكل محافظ سياسي وهي:
1- تنظيم الشعب: في القرى والمداشر عن طريق تشكيل الخلايا أو المنظمات السياسية، الإدارية وتنطوي تحتها كل الفئات الشعبية.
02- الدعاية والإعلام: تنشر أخبار وأوامر جبهة التحرير الوطني.
03- حرب العصابات: العلاقة مع الشعب، العناية بالأقلية الأوربية ومساجين الحرب وهؤلاء المندوبون السياسيون يعطون آرائهم في جميع الأعمال العسكرية، والقضايا لجيش التحرير الوطني.
04- الأموال والتموين: شكلت مجالس الشعب بواسطة الانتخابات تنظر في القضايا العدلية والمالية والاقتصادية والشرطة، تتكون من خمسة أعضاء.
الأول خاص بالشؤون المدنية، الثاني خاص بالشؤون العدلية والثقافية والثالث مسؤول عن الشؤون المالية أما الرابع مسؤول عن حفظ الأمن والخامس فهو رئيس المجلس.
05- تحديد القانون الأساسي والنظام الداخلي لجبهة التحرير الوطني والمنظمات المسيرة.
- القانون الأساسي والنظام الداخلي: تكفلت بتحريره لجنة التنسيق والتنفيذ([18]).
- المنظمات المسيرة:
1- المجلس الوطني للثورة: يتكون من 34 عضوا منهم 17 دائمون و17 مساعدون يعتبر أعلى جهاز للثورة، يجتمع مرة في السنة مدة وجود الحرب، له الحق في إيقاف القتال والمفاوضات مع مراعاة الإطار الذي عينته القاعدة الأساسية.
2-لجنة التنسيق والتنفيذ: تتكون من 5 أعضاء لها سلطة مراقبة المنظمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية، وهي مكلفة بإنشاء ومراقبة اللجان المختلفة، لها الحق أيضا في تشكيل الحكومة المؤقتة بالتنسيق مع المندوبين([19]).
06-تحديد العلاقة بين جبهة التحرير وجيش التحرير: تعطي الأولوية للسياسي على العسكري، وفي مراكز القيادة، بتعيين على القائد العسكري والسياسي أن يسهر على حفظ التوازن بين جميع فروع الثورة.
07-تحديد العلاقة بين الداخل والخارج: تعطى الأولوية للداخل على الخارج مع مراعاة مبدأ التشاور في الإدارة.
08- يجب على الداخل إعطاء جميع المعلومات التي بحوزته لتسهيل مهمة الممثلين في هيئة الأمم المتحدة([20]).
ب- على الصعيد العسكري:
1- تقسيم البلاد إلى ستة مناطق مع وضع الحدود لكل منطقة، وإبتداء من تاريخ المؤتمر ثم تغيير لفظة " المنطقة " وأستعمل مكانها كلمة "ولاية " و"الناحية " تصبح "منطقة" والقسم "ناحية" ويصبح تقسيم الولاية على النحو التالي: الولاية ثم المنطقة ثم الناحية ثم القسم.
- ولكل ولاية قائد برتبة "صاغ ثاني" عقيد يساعده ثلاثة نواب برتبة "صاغ أول" رائد.
- وللمنطقة قائد برتبة ضابط ثاني نقيب يساعده ثلاثة نواب برتبة "ضابط أول" ملازم أول.
- والناحية قائد برتبة ضابط ثاني يساعده ثلاثة نواب برتبة "ملازم أول" مرشح.
- والقسم قائد برتبة مساعد ونوابه الثلاثة برتبة "عريف أول"([21]) أما مراكز القيادة فإنها تخضع إلى الإدارة الجماعية على مستوى مجالس الولاية والمنطقة والقسم، وأن قائد الولاية يمثل السلطة المركزية للجبهة وعلى كل الهيئات التابعة لجبهة التحرير الوطني أن تحترم هذا المبدأ وتطبيقه([22]).
2- توحيد النظام العسكري: ويتمثل في هيكلة جيش التحرير الوطني.تأسيس نواة الجيش الوطني الشعبي- تركيبة وحدات جيش التحرير الوطني كالتالي:
أ- الفوج: يتركب من 11 جنديا من بينهم عريف واحد وجنديان أولان.
ب- نصف الفوج: يشتمل على 5 جنود من بينهم جندي أول.
ج- الفرقة: تتكون من 35 جنديا. ثلاثة أفواج مع رئيس الفرقة ونائبه.
د- الكتيبة: تشتمل على 110 جندي، ثلاثة فرق مع خمسة إطارات.
هـ- الفيلق: يشتمل على 350 جندي ثلاثة كتائب زائد 20 إطار.
3- تحديد الألفاظ المستعملة في صفوف جيش التحرير الوطني, حيث تقرر استعمال الكلمات التالية :
* المجاهد: وهو جندي جيش التحرير.
* المسبل: هو المشارك في العمل العسكري. * الفدائي: هو عضو الجماعة المكلفة بالهجوم على المراكز في المدن
4- تعميم الرتب العسكرية، وكذلك تحديد المرتبات الشهري
لأفراد جيش التحرير الوطني، من القاعدة إلى القمة، كما أن النظام الاجتماعي الذي وضعه المؤتمر كان في المستوى، خاصة ذلك المتعلق بالمرتبات الشهرية التي تمنح لعائلات
المجاهدين والمسبلين والفدائيين، فلم يهمل أي جانب بل كان شاملا متكاملا، كما خص لهاته العائلات ببعثات من الممرضين يزورونهم في القرى والبوادي ليفحصوا أحوالهم الصحية ويوزع عليهم الأدوية لمحاولة منهم لمحاربة الأمراض الفتاكة([23]).
وهذا خلال هذه القرارات المنبثقة عن مؤتمر الصومام نستنتج أن الثورة الجزائرية قد انتقلت من مرحلة المبادرة الفردية إلى مرحلة التنظيمات الفعلية.
المطلب الثاني: نتائج المؤتمر:
إن عقد المؤتمر في حد ذاته يعتبر من أهم منجزات الثورة الجزائرية حيث أن عقد بوادي الصومام بالذات يعتبر تحديا من طرف قادة جيش التحرير الوطني. وكما يقول توفيق المدني:" لقد كان مؤتمر الصومام صغيرا في حجمه، كبيرا في سمعته، كانت مقرراته تشبه ميثاقا وطنيا. أعطى أول مرة محتوى الثورة الجزائرية. فقد أعطى نتائج أكثر مما كان متوقعا منه. حيث أذل مؤتمر الصومام، فكرة الزعامة وأقر أن الثورة من الشعب وإلى الشعب..."([24]).
أ- النتائج السياسية: جاء مؤتمر الصومام بنتائج سياسية هامة سواء على المستوى الداخلي أو على المستوى الخارجي.
على المستوى الداخلي:
قام المؤتمر بنبذ السلطة الفردية وإحلال محلها القيادة الجماعية، وذلك لأن الإدارة الجماعية تتغلب على الصعوبات والعراقيل التي تواجه الثورة، واستطاع تنظيمها حيث خرج بقيادة وطنيو موحدة تمثلت في المجلس الوطني للثورة ولجنة التنسيق والتنفيذ ووثيقة سياسية بمثابة الدستور الذي نظم شؤون الثورة([25])، وتمكن من ضبط وتحديد السياسة الداخلية والخارجية لجبهة التحرير الوطني والاعتراف بها كممثل شرعي ووحيد للشعب الجزائري منذ 5 سبتمبر 1956 أي تاريخ انتهاء أشغال المؤتمر، وأصبحت القوة السياسية الوطنية التي التف الشعب الجزائري حولها لتحرير الجزائر من قوات الاحتلال – الفرنسي، وتحرير الوطن وتحقيق الاستقلال التام، وإقامة دولة جغرافية اجتماعية تقوم سياستها الخارجية على عدم التدخل في شؤون الغير([26]).
كما قام بإنشاء هيئات اجتماعية متلفة نعمل للتوعية، والتوجيه من أجل بناء الجزائر وتمثلت في:
*- الاتحاد النسائي: الذي لعب دورا كبيرا في توعية المرأة التي شاركت في معركة التحرير، إذ ورد في منهاج الصومام قولا عن الحركة النسائية:" توجد في الحركة النسائية إمكانيات واسعة تزداد وتكثر... ولا يخفي أن الجزائريات قد ساهمت مساهمة إيجابية فعالة في الثورات الكثيرة التي توالت وتجددت في بلاد الجزائر منذ سنة 1830 ضد الاحتلال الفرنسي"([27]).
*- النشاط الصحفي والجرائد: ظهرت جريدة المجاهد الناطقة بلسان الثورة الجزائرية، وتطورت النشرات المحلية، فعرفت بالقضية الجزائرية لدى الهيئات والمحافل الدولية.
*- الحكومة المؤقتة: تطورت لجنة التنسيق والتنفيذ وأزداد أعضاؤها بعد مؤتمر القاهرة 1957، الذي انعقد في طنجة في شهر أبريل 1958، وتم الاتفاق على فكرة تأسيس الحكومة الجزائرية وأعلن عنها رسميا في 19 سبتمبر 1958 برئاسة فرحات عباس([28])
ب- على المستوى الخارجي:
لقد تمكن مؤتمر الصومام من تكثيف الجهود لتصبح القضية الجزائرية قضية دولية من خلال الحصول على تأييد الشعوب والدول المناهضة للاستعمار، كما قام بإنشاء مكاتب لجبهة التحرير الوطني في الخارج، وتمكن أيضا من تأكيد حضورها في المحافل والهيئات الدولية وقام بتدعيم العمل الدبلوماسي لجبهة التحرير الوطني، وذلك بتعيين السيد:" محمد الأمين دباغين " مسؤولا على مندوبية الخارج([29]).
وقد حرص المؤتمر أيضا إقامة علاقة سياسية مع تونس والمغرب وتنسيق المجهودات الدبلوماسية من أجل الضغط على الحكومة الفرنسية في الميدان الدبلوماسي حيث أشاروا في وثيقة الصومام إلى اندماج القضية الجزائرية مع القضيتين المغربية والتونسية، كما اعتبر المؤتمر أن استقلال المغرب وتونس بدون استقلال الجزائر لا قيمة له، وبالتالي يجب تحقيق الاستقلال في إطار موحد([30])
النتائج العسكرية:
لقد قام مؤتمر الصومام بوضع هيكلة تنظيمية من القاعدة إلى القمة عسكريا وسياسيا بهدف توحيد النظام العسكري بشكل يسمح له بمواجهة القوات الفرنسية من جهة. وفرض الطاعة والانضباط في الأوساط العسكرية من جهة أخر([31]).
أ- التقسيم الجغرافي الجديد:
لقد تقرر في مؤتمر الصومام، تقسيم القطر الجزائري إلى ست ولايات وتحديدها جغرافيا([32])، وكانت السلطة تتجسد في مجلس كل ولاية والذي يرأسه عقيد وأربعة ضباط برتبة رائد في الجيش، حيث أن كل واحد مسؤول عن قطاع معين، وهذا المجلس مسؤول عن تسيير جميع الشؤون التي تهم السكان([33]).
وتجد أيضا في التقسيم الجديد أنه ألحقت مدينة "سطيف" بالولاية الثالثة نظرا لأهميتها التي تعتبر بمثابة مفترق الطرق من الولايات الأولى والثانية والثالثة كما اعتبروا أيضا مدينة الجزائر منطقة مستقلة ذاتيا داخل الولاية الرابعة " الجزائر العاصمة " واعتبرت مقرا لجبهة التحرير الوطني.
ب- هيكلة جيش التحرير الوطني:
لقد كان لمؤتمر الصومام الدور الكبير في تنظيم وهيكلة جيش التحرير الوطني بوضع أسس وقواعد تسير عليها الثورة عبر كامل التراب الوطني. كما قام بوضع أسس ومقاييس عسكرية موحدة لجيش التحرير الوطني تمثلت في تقسيمه إلى فيالق وكل فيلق يتكون من ثلاثة كتائب. والكتيبة تتكون من ثلاثة فرق والفرقة تتكون من ثلاثة أفواج والفوج يتكون من 11 جنديا من بينهم عريف واحد وجنديان أولان([34]).
كما عمل المؤتمر على خلق جيش نظامي يتمتع برتب عسكرية كغيره من جيوش العالم. فقسمت الرتب على النحو التالي:
الجندي الأول- العريف –العريف الأول- المساعد –الملازم الأول – الملازم الثاني- الضابط الأول- الضابط الثاني- الصاغ الأول – الصاغ الثاني.
أما التركيبة العامة لجيش التحرير الوطني كانت على النحو التالي:
*- المجاهدون: ذوي اللباس العسكري يقاتلون في الميدان ويشنون كل أنواع الحرب ويطلق عليهم الجنود المسبلون.
*- المسبلون: مدنيين. وهم الاحتياطيين، دورهم تموين الجيش بالأخبار ونقل المؤونة ويشاركون أيضا في المعارك.
*- الفادئيون: هم طاقة الثورة وقوتها في القرى والمدن والعواصم وهم لا يرتدون الزى العسكري، ولا يحملون السلاح إلا عند تنفيذ المهمة([35]).
إذن التنظيم العسكري لجيش التحرير، الذي أقره مؤتمر الصومام في 20 أوت 1956م، كان له أثر إيجابي على نشاطات جيش التحرير الوطني، إذ تدعمت صفوفه بعناصر جديدة تخرجت من مراكز التكوين التي بدأ الجيش يقيمها على الحدود بعد المؤتمر مباشرة، وهكذا نشأ جيش التحرير الوطني كجيش نظامي تميز بتكوين واضح.
- إن هذا المؤتمر الذي عقد بالولاية الثالثة " القبائل" بوادي الصومام في 20 أوت 1956، قد أعطى الثورة شكلا تنظيميا وأعطاها قيادة، ووحد القوانين والأسس التي تسير عليها الثورة في كامل التراب الوطني.
([1]) محمد لحسن أزغيدي، المرجع السابق، ص 117.
([2]) أحمد بن نعمان، جهاد الجزائر حقائق التاريخ ومغالطات الإيديولوجيا، الجزائر، دار الأمة، ط2، 1998 ص133.
([3])محمد عباس، المرجع السابق، ص 258.
([4])عمار قليل، ملحمة الجزائر الجديدة، قسنطينة، دار البحث، ط1، 1991، ص383.
([5])محمد لحسن زغيدي، المرجع السابق، ص133.
([6])علي كافي، مذكرات الرئيس علي كافي من المناضل السياسي إلى القائد العسكري 1946-1962، الجزائر، دار القصبة للنشر، 1999، ص99.
([7])عمار بوحوش، المرجع السابق، ص391.
([8])مجلة الرؤية، ملحق من إعداد المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية، الجزائر، العدد الثالث،1997، ص218.
([9])هي القرية التي عقد بها المؤتمر وتقع بالمنطقة الثالثة " القبائل بالقرب من مدينة آقبو، وقد انعقد بقرية أفري أوزلاقن" بغابة أكفادو في السفوح الشرقية لجبال جرجرة المشرفة على الضفة الغربية لوادي الصومام.
([10]) عمار قليل، المرجع السابق، ص ص383.
([11])عمار قليل، المرجع نفسه، ص389.
([12])أحسن بومالي، إستراتيجية الثورة الجزائرية في مرحلتها الأولى 1954-1956. الجزائر:منشورات المتحف الوطني للمجاهد. 1994، ص340.
([13])جودي لخضر بوالطمين، لمحات من ثورة الجزائر، الجزائر، المؤسسة الوطنية للكتاب، الطبعة الثانية، 1987، ص20.
([14])أحسن بومالي، المرجع نفسه، ص340.
([15])أحمد توفيق المدني، حياة كفاح (مع ركب الثورة التحريرية)، الجزء الثالث، الجزائر: الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، 1998، ص236.
([16]) أحمد توفيق المدني، المرجع السابق، ص233.
([17]) عمار قليل، المرجع السابق، ص391.
([18]) أحمد توفيق المدني، المرجع سابق، ص242.
([19]) محمد حربي، الجزائر(1954-1962) جبهة التحرير الوطني الأسطورة والواقع، بيروت، مؤسسة الأبحاث العربية، الطبعة الأولى، 1983، ص154.
([20]) أحمد توفيق المدني، المرجع نفسه، ص 244.
([21]) محمد الدرعي،التاريخ المعاصر، التطورات السياسية في الوطن العربي. الجزء الثاني، الجزائر: دار الهدى للنشر والطبع والتوزيع، 1981، ص240.
([22]) محمد حربي، المرجع السابق، ص 154.
([23]) أحسن بومالي ، المرجع السابق، ص345.
([24]) أحمد توفيق المدني، المرجع السابق، ص 346.
([25]) محمد لحسن أزغيدي، المرجع السابق، ص 197.
([26]) عمار بوحوش، المرجع السابق، ص399.
([27]) مقتطفات من منهج الصومام 20 أوت 1956، ب ت، ص22.
([28]) إبراهيم العسكري، لمحات من مسيرة الثورة التحريرية ودور القاعدة الشرقية، قسنطينة، دار البحث 1992، ص124.
([29])محمد العربي الزبيري، الثورة الجزائرية في عامها الأول ، قسنطينة، دار البحث ط1 ، 1984 ، ص118.
([30]) عمار بوحوش، المرجع السابق، ص 401.
([31])محمد لحسن أزغيدي، المرجع السابق، محضر جلسات مؤتمر الصومام الاجتماع الذي عقده المسئولون عن عملات وهران، الجزائر، قسنطينة، في 20 أوت 1956، ص08. (من الملاحق)
('[32])أنظر الملحق رقم05.
([33]) Mohamed Teguia, l’arme de libération national en wilaya VI. ALGER :Ed.Casbah,2003,PP34-35.
([34]) Khalfa Maamer, Abane Ramdane, héros d la guerre’Algérie e Alger :Ed, rahma, 1992, P 213
([35]) محمد لحسن أزغيدي، المرجع السابق. ص ص137-138.